الجمعة، 6 أكتوبر 2017

مقاربَة تحليلية في زجلية للشاعر عبدالله التويس



عبدالله التّويسْ ، شاعِرٌ بوهَالِي

                                                             يحمِلُ جسَدَهُ فِي كَفّهِ ، وَ يصْعَدُ بهِ إلى السّماء 
...
وحْدَهُ الشّاعِرُ بيْنَ سائرِ الْكائِناتِ ، يَمْلِكُ الْقُدرَةَ على فتْحِ نوافِذِ الْاِحتمالاتِ الْمَلْفُوفَة في أوْراقِ السّدِيمِ وَ سَديمِ الْأوْراق ... منْ هذا الْبابِ دلَفَ الشّاعِرُ 
عبدالله التويس { الْحالة المدنية } 
أبو فيروز { الْحالَة الفنيّة }
الْبوهالي { حالْةْ لْجدْبَة }
مُسَلّحاً بِثَلاثِ هالاتٍ لِيسْتَقِرّ في قلْبِ السّماءِ مُثْقَلاً بلَعْنَةِ السّؤالِ ونَشْوَةِ الْموّال ... وكأنّ الْأرْضَ على رَحابَتِها ، عَجزَتْ عن إشْباعِ نَهمِهِ في الْمَعرِفَة . منْ هُنا ، مِحْنَةُ الشّاعِرِ الْوجُودِيّة ، الْمسْكونَة بِهَوَسِ الْقَبْضِ على بَعْضِ أسْرارِ الْوجود .
تشْرئِبّ الْعيْنُ إلى الْفَوْقِي transcendantale ، تلْتَمِسُ منهُ الْإجابَة ، في رِحْلةِ بحْثٍ لا تَنِي ولا تَضْعف {هزّيتْ عيني لْ السْما } لِتأتِيَ الْإجابَةُ على شكْلِ غَيمَةٍ مَوسُومَة في مخْيالِ الشّاعِرِ بِلونِ الْاِنطِلاق والشّفافيّة { شفتْ اغْمامَة – بيضَا – احْمامَة } ، وَ سُرعانَ ما تنْفَلِتُ هذه الْغيْمَةُ منْ قَبْضةِ الشّاعِر ، لتتحوّلَ إلى شكْلٍ وجوديّ هيُولانِي يتَمدّدُ جَسَداً خارِقاً على صَفيحِ الْبوحِ ، مُدثّراً في عباءَةِ اللّذةِ الْمُسْكِرَة الْمحقّقة لثُنائية الْإبْهار والدّهْشَة ...
في هذه الْمَحطّة ، تتحوّلُ حساسيّة الشّاعر ، منْ حقلٍ دلالِيّ يرْتبِطُ بالْخمْرة ، إلى حقْلٍ دلالِيّ يرْتبِطُ بالْمَعْرِفَة ، فتَسْتَحيلُ الْغَمامَةُ كِتاباً مَفْتُوحاً على الْخارِقِ الْعجِيب والْمُبْهِرِ في آن ... والّذي ، من شدّة توهّجهِ ألْجَمَ اللّسان والْجنان { والبسْنِي اسكاتْ اكْمامَة } ... لِيُعلِنَ الشّاعر في آخرِ الْمطافِ عن قَزَميّة الْكلام وَ صنْعَة الْكلام ، في حَضْرَةِ الْجمالِ الْفوْقي ، ولِيُعلِنَ أيضاً أنّ أحْسَن الْقولِ لمْ يُقَلْ بَعْدُ ، وأنّ أحْسَنَ الزّجَلِ لَمْ يُزْجَلْ بَعْدُ ، وأنّ أحْسَن الشّعراءِ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ ... في لُغَةٍ تَغْرِفُ مُعْجَمَها الْباذِخ منْ هوَسِ الْجذْبَة الّتي تُحِيلُنا على الْخيطِ الْفنّي الّذي ارْتآهُ الشّاعِرُ لِبوحِهِ ، وعَنْوَنَهُ سَطْراً غليظَ التّقاسِيمِ واضِحَ الْمعالِمِ في عبارَتِهِ المتواضِعَة الْمتعالية والْمَسْكوكَة ببَصمَةٍ فيْروزِيّة { غيرْ داوِي }
...
يتَناسَلُ الْكلامُ في حضْرَة شاعِرٍ في حجْمِ أخي عبدالله التويس ، وأحسّ أنّ كلامي ، كما وصَفَ ، هُوَ ، في آخرِ زجليّتهِ { حْروفْ الدّهْشَة لْواتْ فِيَا حْروفْ لفْهَامَة }
...
نون حاء
أنظر النّص :
عبدالله التويس أبوفيروز
غير......داوي
_____________
هزّيتْ عيني لْ السْما
شفتْ اغْمــــــــــامة
اسْحابة بيْضا
تڭول احْمامة
ؤ لْهِيه اشكالْ
تسكرْ لعقَلْ
تْبَهرو
واشْهادة اعْلامَة
ديكْ لغْمَامة
كْتابْ
من بَابُو
سرّحتْ شوفْتِي
والبسْنِي اسكاتْ اكْمامَة
واشْ انايا مْصحْصح
ولا فْ امنامَة
فَرْحَة هيَ ولا ادْرامَة
حرثَتْني حروفْ الدّهشة
ســـــاحْ شوفِي عريانْ
گلستْ عْلى راسِي
والْواتْ فِيا
احروفْ لفْهَامة
...
بقلم : نورالدين حنيف


مقاربة تحليلية في زجلية للشاعر عبدالحكيم البوراشدي


نَسَقُ الْبَصَرِ وَ الْبَصِيرَة في
قَصيدَة " عْمدْ لْمَنْججْ " للْبوراشْدي
مُقارَبَة نورالدّين حَنيف
...
اسْتقْبَلَتْ مجموعَةُ " شاعِرٌ وَ قَصيدَة " في فجْرِ تأْسِيسِها ورْدتيْنِ برّيَتيْنِ منْ قاعِ " الشّاويَة " في شَخْصِ الْجميل " أبو جَاد حَكيم الْبوراشْدِي " . قرأتُهُما على مهْلِ طَبيخِ " الطّاجِينْ " ... لأنّهُما وَ بِكلّ الْمعْنى الْقويّ نَسَجَهُما صاحِبُهما بِصَبْرٍ وَ تُؤَدَة ... فَوَجَدْتُنِي بيْنَ " عْمد لْمنْججْ " وَ " سرْ لوْصِيّة " عَيْناً مُعْجَبَة ، حتّى داخَ يراعِي بيْن الْقصيدَتيْن . وَ هما في عُمقِ النّظَر ، صَرْختانِ ... مَغْموسَتانِ في تُرْبَةِ " لْمَرْڭـدْ " تَشِيانِ بأنّ هذا الرّجلَ وراءَهُ ديوانٌ مَحْكومٌ بِنَسَق ، بلْ أمامَهُ مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ فنّيّةٍ في عالَمٍ يُغنّي للرّداءَة ، وَ يُصَفِّقُ لِلْخواء ... صاحِبُنا " الْبوراشْدِي " فنّانٌ طَبيعيّ عامِرٌ بِالْجمالِ الْبرّيّ .
في عَتَبَة النصّ يمْتَشِقُ الْعنوانُ سِيرَةَ الْخوفِ ، والْخوفُ يخْرجُ سيْفَهُ منْ غِمْد السّكون { عْمدْ لْمَنججْ } في ترْكيبٍ اسميّ يدّعي الْبراءَة ، بِقِراءَةٍ آثِمَة ، فيما هُوَ إيذانٌ بِخشْيَةِ السّقوط . فالْأعمِدةُ غيرُ حاضِرَة لِتشْكيلِ جسَدِ هذه الْآلَة الشعْبِية الْخارِجَة منْ عمقِ التّراث ، تشْكيلَ تكْوين ، وإنّما هي حاضِرة حضورَ تَلْوين ، ترْسُمُ شكْلَ الذّات الْخائفَة منْ شيءٍ معيّن ، تعْرِفُهُ ولا نعْرِفُهُ ، بحُكمِ الْمسافَة السّديميّة الّتي رَسَمها الزّجالُ " الْبوراشْدي " ونَصَبَها أمامَ أعْينِنا لِدرّ الرّمادِ على بصَرِنا حتّى لا نرى إلا ما يراه ، ولا نتذوّق إلا ما يتذوّقُه ، في لُعْبَةٍ جميلَة ، تًرْسِلُ رأسَ الْحبْلِ إلى الْقارئ لِتمْتَحِنَ قُدْرَتَهُ على السّبْرِ ، وَ على الصّبْر ، وَ على الْقفْزِ الْجليل .
لن أتتبّعَ الْقصيدَةَ في مَضْمونِها الْمباشِر ، فهذا مُعطىً تَكْفِيه مَسْحَةٌ قِرائيّةٌ واحِدَة ، ما يشْغَلُنا هوَ نَسَقُ الْقصيدَة الْمبنِي على فعْلِ الرّؤية ، على اعْتِبارِ أنّ هذهِ الرّؤْيَة تفْرِضُ نفْسَها بإلحاح ، وتكادُ تُمْسِكُ بِمفاتيحِ دِينامِيّة { لمنججْ } الظّاهِرة وَ الْباطِنَة ... فلْنَنْظُرْ إلى طَبيعَةِ هذا الْمُعْجم : { رامتْ عيْنِي – شفتْ شلّا خْيوطْ – شفْتكْ نْتا – شفتْ لْحلْمَة – شفتْ لْعودْ – غدّا نْشوفكْ – بانْ هْدبْها فْ الشّوفَة - ر ڭّبتْ – شفتْ فيها – يشُوفْ الصّخرة } ... هكَذا تُهيْمِنُ الرّؤيَةُ بمعْناها الْحسّي الْمرتَبِط بِالْبَصَر { الشّوفَة } عَلى مْساحَةِ الْقوْل ... هذا فضْلاً عن متَعلّقاتِ الرّؤيَة والّتي لا تأتِي منَ الاِشْتِقاقِ اللّغَوي ، وإنّما تأتِي من حُزْمَة التّداعِيات الْبَصَرِية ، عبْرَ وَحَداتٍ لَسْنِيّةٍ أساسُها بَصَريّ يقْضِمُ مادّتَهُ منْ اللّونِ والْحُلُم ... في مِثلِ هذا الْمعجم : { لْوانْهَا – حْلامْهَا – حلْمَة – برْڭي – لُونُو منْ لُونْ – الصْباحْ – لْبْيَضْ – اللّيلْ – لعْيَانْ – بانْ – لكْحالْ – لُونْهَا – بْهَاتْ – بْيَاضْ – جْمَرْها – لْحلْمَة – لبْيَضْ – لحْلامْ – شلّا لْوانْ – لحْلامْ } ... هكَذا اخْتارَتْ ذائِقَةُ الشّاعِرِ أنْ تسْتَثْمِرَ ثقافَةَ اللّونِ وَ أيْقُونَةَ الْحُلُمِ لِتأتِيثِ فضاءِ الْبوح ، وَ لِتَنْقُلَ هذا الْأخيرَ منْ حرَكيّةِ الْبَصَرِ إلى حَرَكيّةِ الْبَصِيرَة ... كيْفَ تمّتْ هذِهِ الْعَمليّةُ ؟ وَ بواسِطَةِ أيّ آلياتٍ وَ مِيكانِيزْمات ؟
تتجلّى الذّاتُ ، في هذا الْمتْنِ الزّجَليّ الرّاقي الْمعْجونِ بلغَة الْبادِية الْمحلّيّة بامْتِياز ، تجَلّيَ الرّائي الْواقِفِ على بابِ الرّغْبَة ، الْعارِمَة ، فِي اسْتِحْضارِ ما فاتَ الذّاتَ منْ جمالٍ ولّى ويَدْخُلُ الْآنَ في أزْمِنَةِ الْاِنْقِراض . منْ هنا ، يظْهَرُ شَكْلٌ أوّل من أشْكالِ الْخوف ... فَعبارَةُ { رامتْ عَيْنِي } عبارَةٌ ذاتُ حُمولَةٍ قويّة ، لا تَفْضَحُ بؤْرَةَ النصّ ، أيْ " لمنْججْ " وإنّما تُقدّمُ لهُ بتَوْصِيفٍ شاكٍ باكٍ ، ملؤُهُ دموعٌ مُهْوِلَة وَخُيوطٌ ، بِصراخٍ مدويّ ، وَ بِألوان باهِتَة ، وَ أهل ، دَخلُوا الزّمَنَ الْغابِرَ ، فلا نرَى مِنهمُ إلّا مِحناً وَ هُموماً ، وَ قَبْر، يكْتَسِي لوْنَ الْبَياضِ ، خالَطَ لوْنَ الْحلمِ كما خالَطَ لوْنَ الْجوادِ الْموْسومِ بِالْ " برْڭي " ... فِي بُكائِيّةٍ ماتِعَة تُغَلّفُ الْمَقولَ بِلُغَةِ الْحنِين .
تَتدَخّلُ الْجدّةُ ، كَصَوتٍ ، منْ بيْنِ أصْواتٍ متَعدّدة ، تَمْتَلِكُ حسّ الْحكْمَة ، مادامتْ هِيَ منْ يُحرّكُ دِينامِيّة " لْمنْججْ " ... وَ تتَكلّمُ صباحاً ، كلاماً مُباحاً ، لا يخْشَى بَراحا ... وَ لَقَدِ اخْتارَ الشّاعِرُ هذا الزّمنَ بدلالَة تُكسّرُ نَمَطِيّةَ الْحكي الّذي تبْنِيهِ الثّقافَة الشّعبِيّةُ ليْلاً ، على اعْتِبارِ أنّ الْقولَ الْمشْحونَ بالْحكْمَة ينْبَغي ألّا تَشُوبهُ شائِبَة وَ لا تَعيبهُ عائِبَة ... لكِنّ الْجدّةَ أبَتْ إلّا أنْ تُرْسِلَ الْقوْلَ بِصِيغَة اللّغْزِ وَ الْمتاهَة ، لاخْتِبارِ قُدْرَةِ السّامِعِ على فكّ شَفْراتِ الْمَقول .
+ دَلالاتُ " لمَنْججْ " في مَنْظورِ الزّجلِ الْبوراشْدِي :
وَ في سِياقِ الْموتِ ، تَمْتشِقُ الْجدّةُ جَسَدَ الْموّالِ الْموْسُومِ بِالِإشارَة ، في حِوارٍ مع الْحفيد ، وَ الْمُبَطّنِ بِاللّمْزِ الذّكيّ { لبْياضْ إيلا كانْ عْلامْ – مرْسُولْ جايْكْ بْ السـْلامْ } في لُغَةٍ تخْرُجُ عنِ الْمعنـى إلى الْحلُم ، وَكأنّ الْجدّةَ تُفَسّرُ سِرّ الْمنامَة الْعـامِرَة بالْعلامـات . فالْبَيـاضُ لَونٌ في دائِرَة الْقاموسِ التّخاطُبيّ الْيوْميّ ، لكنّـهُ في قامُوسِ الْجدّةِ رَايَة ، إشارَة ، للسّلامِ في سِياقٍ لا يَعْرِفُ سَلاماً ، كانَ ضــــــحِيّتَهُ " جَدّ " مـاتَ مَغْدوراً ... وَ السّـلامُ هنا لا يَستَثْمِرُهُ الشّاعِرُ مفرَدَةً مقابِلَة للْحرب ، وَ إنّما يُوظّفُهُ بِحمُولَة شَعْبِيّة تُفيدُ السّلام- التّحيّة ... والتّحيّة هنا لا تَقِفُ عندَ حدودِ الْإشارَة الْعابِرَة الْمعَبـّرَة عن حالاتِ الْودّ الْيومِي بينَ الْمُتبادِلينَ التّحايا ، إنّها تتَجاوَز ذلِكَ إلى حالاتٍ مـنَ الْمَحبّة لا يُدْرِكُها إلّا بَدويّ ، يغْرِفُ منْ ثَقافَة تُؤمِنُ بالْعادَة الْمسْكوكَة عنْدَ الْأهالِي ، وَ هُـمْ يَحكّونَ تحْتَ أنوفِهم ، دلالَة على غائِبٍ قدْ يَحْضُر ... وَ الْغائِبُ الْكبِيرُ فِي سِياقِ الْفَقْدِ هُنا هوَ " الْجدّ " بِهالَةٍ الْحُضُورِ الرّمْزيّ .
أمّا إذا حَضَرَ لوْنُ الْبياضِ لَيْلاً ، في تَصَوّرِ الْجدّةِ دائِماً ، فالْأمْرُ مُختَلِف ... يَتَحوّلُ الْبياضُ إلى نَقِيضه الْأسودِ الْمُعَبّرِ عنْهُ باللّيل ، فِي بَياضِ الصّوفِ ، الْمُتحوّلِ بِدوْرِهِ إلى " سلْهامْ " ... وكمْ لِهذا اللّباس التّقْلِيدي في مِخْيالِنا الشّعْبيّ منْ حُمولَاتٍ دلالِيّة ؟ وَ هو الْهمّ الّذي لنْ نبْحثَ فيهِ ، وتَكْفِينا فيك ذلِكَ رغْبَة الشّاعِرِ في توْجِيهِ نظَرِ الْقارئِ إلى بؤْرَةِ الإشارَة ، والّتي تَنوبُ في التّعْبيرِ عنِ غَزِيرِ الْعِبارَة ... لِهذا ربَطَ مُباشَرَة لِباسَ " السّلْهام " بِتَراتُبِيّة اجْتِماعِيّة تُؤسّسُ منْظُور الْقرْيَة الْمغْرِبيّة لوزْنِ الرّجلِ داخِلَ وَسَطِه وَ تَبْنِيه { غَدَّا نْشُوفَكْ مَنْ لعْيَانْ } إعْلاناً عنْ رَغْبَة الْجدّة في رؤْيَةِ التّتْويجِ الْاجْتِماعيّ الْعالِي على رأسِ نَسْلِها . وَ هِيَ رَغْبَةٌ دَفِينَة تُساهِمُ في بِنائِها عَوامِلُ عِدّة ، يَدْخُلُ " لْمَنْججْ " أيْضاً في هذه اللّعْبَة ، وَهُوَ لا يَحُوكُ " سْدى " السّلهام ، بِقَدْرِ ما يَحوكُ طَبَقَة اجْتِماعِيّة لِلْمُدَثّرِ بالسّلْهام .
وَ في عُرْفِ الشّاعِرِ ، لا يُمَثّلُ " لمنججْ " تِلْكُمُ الْألَة التّقْلِيديّة الْبَسِيطَة الْمُرْتَبِطَة بِنشاطِ النّساءِ في الْبادِيّة ، فَهذا الْاِتّجاهُ في الْبوحِ يُفْقِدُ الزّجَلَ قِيمَتَهُ الْفنيّةَ ، لأنّ الزّجالَ ليْسَ رَجُلَ أنترُبولوجيا وَ حَفْرِيات وَ ليْسَ عالِمَ اجْتِماع ... إنّهُ فنّانٌ يَرْصُدُ حرَكِيّة الْأشْياء ، حِينَما تُفْلِتُ منْ ٌقبْضَةِ النّظَرِ الْمألُوف ... لِهذا صَوّرَ هذِه الْآلَة صَخْرَة ، بِمُؤَشّرٍ فَاضِحِ لِلُعْبَةِ الْاسْتِعارَة ، عبْرَ الْوَسِيطِ اللّسْنيّ { رَاشْڭَة } ، وَ الْمُسْتَدعِيّة لِأسْبابْ { الرّشْڭ } الْمُتَعلّقَة بالْأوتادِ الّتي تُمَكّنُ لِلمنْججْ بالتّباثِ والتّجَدّر ... وَ لِماذا " صخْرَة " بالذّات ؟
منْ هنا ، رؤْيَةُ الشّاعِرِ للتّراث ... الْمُعَبّرِ عنْهُ في تَوَجّهَيْنِ انْزِياحِييْنِ ، واحِدٌ بِمتعَلّقٍ مباشِر هوَ { لمنججْ } وَ ثانِ بِمتعلّقٍ اسْتِعاريّ هوَ { الصّخْرَة } ... إنّهُ مخْزونٌ راسِخُ في الْوجدانِ قَبْلَ الذّاكِرَة . ولا سَبيلَ إلى اقْتِلاعِهِ أو فَصْلِهِ عن تارِيخِ الْأجيالِ الْقادِمَة ، وَ لوْ بَعُدَتْ بيْنهُما الْمشافلتُ وَ شطّتْ بِهِما الْنّهايات .
+ نَسَقُ الْبَصَرِ وَ الْبَصِيرَة في زَجلِ الْبوراشْدي :
يَرى الشّاعِرُ وَ يخْدعُنا بِآليَةِ الْبَصَرِ ، لأنّهُ صَرَفَ نَظرَنا إلى الْمنججْ ، فِيما هُوَ يَرومُ اسْتِفزازَ الْبَصيرَة وَ ما تخْتزِنُهُ من أبْعاد ... نرى معهُ المنججْ ، وَ هو يراهُ صخْرَة ... نرى معَهُ السلْهام وهو يراهُ طّبَقَة اجْتِماعية ... نرى معهُ الْآلة تنْسُجُ خُيوطاُ وهوَ يراها تَرْسُم علاقاتٍ ... نرى معهُ الْفَرَسَ الْبرڭي الْحائل وهوَ يراهُ تحَوّلاٌ في الْموت ... نرى معهُ الْجدّ وهوَ يراهُ ذاكِرَة تموتُ بِأسْرارِها ... نرى معهُ قبْرا وهوَ يراهُ سِيرَة حياةٍ عامِرة بالْهمّ ... نرى معهُ أحْلاماً وهوَ يراهُ حكاياتٍ ... نرى معهُ حكْيَ الْجدّة وهوَ يراهُ حَنِيناً ... نرى معهُ الْأبيضَ و الْأسودَ ألواناً وهوَ يراها حُضوراً وَغيابا ... نرى معهُ أعْمِدَة خَشَبِيّة ترْفَعُ مَداميكَ الْآلَة وهوَ يراها أعْمِدَةَ تارِيخٍ منَ الوجدانِ والذّاكرة والتّراثِ آيلة للسّقوط ...
هكَذا يؤسّسُ الشّاعِرُ عالَمَهُ الزّجليّ ، في أرْوِقَة الْبَيانِ الذّكيّ ، يتوسّلُ في ذلكَ لُغَةً " بلْدِيّة " تغْترِفُ منْ قاعِ " الدّوار " تكْشِفُ عن امْتلاكِ الذّات الْمتكلّمَة لقدْرة تصوِرية على تَطْوِيعِ الْمحليّ في أتونِ الْجمال ، حتّى يخْرُجَ نُقَطَ ضوءٍ مُشِعّة تقْتنِصُ غزْلانَ " لْمرڭدْ " وتروّضها بحِنْكَة ، لها دُرْبَة على التّطويع بِفضْلِ انْغِماسِ الذّات في محيطِ الْبَداوَة بامْتِياز
وهكَذا يؤسّسُ عالَمَهُ بانْزِياحاتٍ جميلَة جليلَة ، خفيفَة ، مُبْهِرَة ، مُلْغِزَة ، حَرون أحْيانا ... { بزْبوزْ لكْلامْ – هجَجْ لقْلامْ – فْياقْنا جا شرْڭي ... } في ثراءٍ مُلْفِتٍ من هذا الزّخْمِ الْاسْتعاريّ الذّاهِبِ مذاهِبَ الرّوعَة في التّصْويرِ ، الْبَعيدِ عن الْمِرْآتِيّة الْمُسَجِّلَة في بلادَة ، بل في رؤية فنيّة تَدْعو الْمتلقي إلى الدّخولِ في لُعْبَة إعادَة إنْتاج النصّ إنتاجا آخَرَ في ولاداتٍ جديدة مُفْعمَة بالتحوّلات .
وَ هكذا ، في نَسَقٍ صوتيّ ، يعْتمِدُ تعدّد الْأرْوِية ، دونَ السّقوطِ في التّراتُبِية ... وَ في تشاكُلاتٍ إيقاعية لا تقْهَرُ أذن السّامِع بالطّرْق على طبْلاتِ أذنِهِ بالْقافِية الْمتكرّرَة في صمت ، بل في حركيّة تتناوبُ فيها الْأصواتُ وكأنّها تتحاوَرُ همْساً وَ صخبا ... سِرّا وَ جهْرا ... مدّا وَ جزْرا ... وَ تتجاوَرُ في غيْرِ نتافر ، وتتداخلُ في غيرِ فوْضى ... حتّى لا يحسّ الْقارئ بطولِ الْقصيدَة ... وَهذا ملْمَحٌ واحِدٌ من ملامِحَ كثيرَة تفيدُ أنّنا أمامَ شاعِر . وَ كفى .
...
نورالدّين حنيف
...
أنظر النص :
عْمَدْ المَنْجَجْ
...
رَامَتْ عَيْنِي
صَخْرَة رَاشْڭَة
فَازْڭَة بِدْمُوعْ الهْوَالْ
شَفْتْ شَلَّا خْيُوطْ
خَرْجَتْ تَزْڭِي
لْوَانْهَا عَادَتْ لُونْ
نَاسْهَا رَزْمَتْهَا لَمْحَايْنْ
دَفْنَتْ احْلَامْهَا
فِقْبَرْ الهْمُومْ
شَفْتَكْ انْتَ وْ ذَاكْ
فْحَلْمَة وْ شَفْتْ الحَلْمَة
لْبَاسْهَا ابْيَضْ
شَفْتْ العَوْدْ بَرْڭِي
لُونُو مَنْ لُونْ عْزَاكْ
ڭَالَتْ جَدَّة فْ الصْبَاحْ
البْيَضْ إِلَى كَانْ عْلَامْ :
مَرْسُولْ جَايْكْ بِالسْلَامْ
وْ إِلَى جَاكْ بِاللِّيلْ
صُوفَة مَنْجُوجة سَلْهَامْ :
غَدَّا نْشُوفَكْ مَنْ العْيَانْ
وَلَّا كَبْرَتْ الشُّوشَة
أُو بَانْ هْذَبْهَا فِالشّـوفَة :
هَذِيكْ عَيْطَة
مَنْ دَارْ المَخْزَنْ
وَلَّا رَقَّاصْ
مَنْ عَنْدْ السُّلْطَانْ
وَ انْتَ يَا وْلِيدِي
جَدَّكْ مَاتْ وَ زْمَانُو فَاتْ
وَ البْيَضْ مَا يْجِينَا
غِيرْ احْزَانْ وَلَّا حْنُوطْ
مَرْشُوشَة عَ لكْفَانْ
شَاوْرَتْ جَدَّة لْهِيهْ
عْلَى ڭْصَبْ المَنْجَجْ
و ڭَالَتْ مَالْ عَمْدُو امْسَرَّجْ
وَاڭَفْ فَڭْعَانْ رَامُو الكْحَالْ
وَ اليُومْ صَارْ اعْوَجْ
وَاشْ مَنْ العْڭَزْ
وَلَّا بَرْدْ القْنَاتْ
دَارْ فِيهْ اليُومْ مَا دَارْ
يَا وْلِيدِي مَالْ ذِيكْ الكَبَّة
غْزِيلْهَا مْخَبَّلْ
نَادَبْ بِسْنَانْ القَرْشَالْ
وَاشْ هَجَّجْهَا المْشَطْ
وَلَّا مُوتْ جَدِّكْ غْدَرْ
وَڭَّفْ الغْزِيلْ
وْ طَيَّحْ صْدَرْ المَنْجَجْ
أُو خَلَّا الحَايْكْ
صُوفَة وَ سْدَى يَبْكِي مُولَاهْ
نَزْلَتْ عَيْنِي دَمْعَاتْ
لُونْهَا مَا يَتْفَرَّزْ إِلَى بْهَاتْ
مَا يَتَّرْسَمْ عَ لْخَد ڭَطْرَاتْ
إَلى فَاضْ اجْمَرْ
شْكُونْ فِينَا يَلْڭَاهْ
يْسَرَّحْ لْسَانُو
وَ يْعَدَّدْ فْ كْلَامُو
وَ يْڭُولْ إِلَى طَارْ
حَايْكْ جَدِّي و بُويَا
وَ تْخَلَّطْ بِينْ بْيَاضُ الحْمَامْ
وَاشْ نَقْدَرْ بْلَا جْنَاحْ
نْعَلِّي جَنْبُو وَ نْطِيرْ مْعَاهْ
وَلَّا نْصَبَّرْ رَاسِي
وَ نْفَرَّقْ عْلَى نَاسِي
خَرْقَة مَنْ ذَاكْ الكَتَّانْ
اللِّي اوْفَى يْدِيرْها شَدْ
وَ يْشَدْ الشَدَّة مَزْيَانْ
وَ اللِّي خَانْ بِينْ الجْمَاعَة
وَ ارْكَبْ دْمُوعْ العَزَّايَا
تْنَفْعُو دَزَّارَة
وَ يْخَدَّمْ عَ لعْزَارَة
وَ يْفَرَّقْ النَّخْوَة كِيسَانْ
رَڭَّبْتْ فْبِيتْ الخْزِينْ
عْلَى وْثَادْ الخَيْمَة
عْلَى وْثَاقْهَا
عْلَى فْتِيلْ القَنْدِيلْ
عْلَى وْڭِيدْهَا
وَاشْ تَلَّاوْ فْدَارْ النْعِي
وَلَّا جَدِّي ،،
سَڭَّاوْ عْشَاهْ زَرْبَانْ
سَوْلُو لفْرِينَة وَاشْ بَرْدَاتْ
وَلَّا جْمَرْهَا سْكَنْ الذَّاتْ ،،
سَوْلُو الحَلْمَة
لَاشْ جَاتْ ،،
مَلِّي الكَسْدَة رَڭْدَاتْ
عْلَاشْ شَفْتْ فِيهَا جَدِّي
وَ حْكِيتْهَا لْجَدَّة بِالذَّاتْ
وَاشْ البْيَضْ
مَا تْنَجُّو عْلِينَا غِيرْ الحْلَامْ
أُو مَا يْجِينَا وْرَاهْ
غِيرْ زْڭَى وَ غْوَاثْ
وَلَّا احْنَا رْڭَدْنَا بَكْرِي
وَ فْيَاقْنَا جَانَا شَرْڭِي
ڭُولُو لْبُويَا
إِلَى دَوْرَتْ جَدَّة
عْلَى اعْمَدْ المَنْجَجْ
يْشُوفْ ذِيكْ الصَّخْرَة
فْذِيكْ الدَّخْلَة
فْذَاكْ المُوسَمْ تَمَّ رَشْگوه
أُو رَفْدُو عْلِيهْ شَلَّا اعْلَامْ
بْشَلَّا الْوَانْ
أُو ڭَالُو الشِّيخْ فْرَضْ الحْكَامْ
نَكَّسْ الحَكْمَة وْ هَجَّجْ القْلَامْ
مَلِّي افْتَحْنَا بَزْبُوزْ الكْلَامْ
بْدِينَا بْ لحْلَامْ
وَ اخْتَمْنَاهَا بْ السْلَامْ
...
بقلم : نورالدين حنيف 

مقاربَة تحليلية في زجلية للشاعر عبدالله الغازي


نَسقُ الدّوائِر الْمُحرّمَة
في قَصيدة " مشْتاقْ انا " للشّاعر
" عبدالله الْغازي "
...

يخْرُجُ منْ " تازَة " أيضاً موْسوماً بالْعشقِ ، ينْحتُ بِحرْف عاشِق ، لوْحاتٍ للذّات في سَفرِها الْجميل ، بحْثاً عنْ تشكّلٍ لِجسدِ قَصِيدِهِ الْيُشْبِهُ رِيماً ، يَرْكضُ في بَرارِي الزّجَلِ الْغابِرِ في ملاحاتِ الْامْتدادِ ، لا يَخْشى تعثّرا ، ولا يهابُ انْكِسارا ... لأنّهُ ريمٌ مُحمّلٌ بجرْعاتٍ قويّة منَ الْإحْساسِ الْعارِمِ الْعامِرِ بالْحريّة .

هُوَ ذاكَ الْوسيمُ حرْفُه ، الشّاعِرُ الْمُختلِفُ عنِ الشّبَه ، السيّد " عبدالله الْغازي " كما عَرَفْتُهُ منْ قَصِيدِهِ في انْتِظارِ انْقِشاعِ الْأزرَقِ عنْ سيماءِ الْعلاقات الْواقِفَة .

تَمتَدّ زجلِيّةُ " أنا مشْتاقْ " في صاحِبِنا منْ شمالِ الرّوحِ إلى جَنوبِها ، لِتمْتلِكَ عليْهِ مِساحاتِ السّؤال ، وَ تَجرِفُنا – نحْنُ الْقرّاء – في امْتِدادها إلى وهْمِ الْإجابَة ... فتَضيعُ الْأسئِلَةُ  وَ تتِيهُ الْإجاباتُ ، لأنّنا ، وَ بِكلّ سَذاجاتِ الْقِراءَاتِ الْمُمكِنَة ، اخْتزلْنا الشّوْقَ في حضْنِ امْرأة ، فَجلَسْنا فيهِ بِدَعَةٍ غِرّةٍ ، وَ غنّيْنا .

لكِنّ الشّاعرَ غنّى ، وَ تغنّى ، في غفْلةٍ مِنّا ... وَلقدْ غنّى لِدوائِرَ مُفعمَة بالْإنْسانيّة في لُغَةٍ تمْتشِقُ جَسَد الْبساطَة الْغاوِية وَ الْمُغْوِية ، وَ الّتي تُلْقي بالْمتلقّي في هذِه الدّوائِرِ في حركاتٍ زَجَلِيّةٍ ، ترْبِتُ وَ لا تُعنّف ... تمْسَحُ على الْجبِينِ وَ لا تصْخَب ... تهْمِسُ وَ لا تَصرُخ ... بإيقاعٍ صوْتيّ يمْلِكُ على الْمستمِعِ شغافَ قلْبِه ، وَهُوَ يسّمّعُ إلى تَطْرِيبِ رويّ " الرّاءِ " في تجلّياتٍ صوْتِيّة تتكرّرُ في غيْرِ رتابَة ، وَ تتواتَرُ في غيْرِ ملَل ، وتتوارَدُ في غيْرِ ضَجر ، وَ تضْرِبُ على طبْلاتِ الْوجدانِ قبلَ أنْ تُوقّعَ على طبْلاتِ الْآذان ... { النّورْ – السّورْ – نْدورْ – بْخُورْ – لقْبورْ ... } إلى آخرِ الدّفْقِ الْموسيقيّ الْآسِرِ .

منْ هذهِ الدّوائِرِ الّتي تلْتفّ حولَ أعْناقِ الْقرّاء بِحبالٍ منْ حرِير ، نذْكر على سبيلِ الْاسْتئناسِ لا على سبيلِ الْإحاطَة :
-        دائِرَةُ الْحرف : يُعلِنُ الشّاعِرُ أنّهُ سَلِيلُ حرْفٍ موْروثٍ أباً عنْ جدّ ، وَ أنّ هذا الْحرْفَ لا يقِفُ عنْدَ حُدودِ التّرْميزِ إلى الْمعْرِفَة الْمنْقُولَة عبْرَ أجيال ، وَ إنّما يتَجاوَزُ ذلكَ إلى اعْتِبارِهِ غطاءً واقِيا وَ مِظَلّة حامِية ، في تسْطِيرٍ ذكيّ لِبؤرَةِ الْانتِماء في غيْرِ شُوفينيّة ضيّقَة  ... وَ أنّ هذا الْحرفَ سبيلٌ أوْحدُ إلى مُمارَسَة عملِيّاتِ الْهدمِ وَ الْبِناء ... هدْم " السّور " الدّال على الْواقع الْموسُوم بقسْوة التّسْييج ... ثمّ بناء " النّور " الدّال على الْبديل الْمنْفتِح وَ الْمُشعّ .
-        دائِرَةُ الْغِناء : يُبشّرُ الشّاعرُ بِرؤية فنيّة في دائِرَةِ الْحرف ، وفي دائِرَة الْغناء ، يُبَشّرُ بِرؤيةٍ وجودِيّة " نسْبَة إلى الْوجود لا إلى الْوجوديّة " ... تمْتحُ مصْداقِيّتها منْ رَغْبَة موضُوعية لرَفْعِ الصّوتِ منْ بابِ الْحقّ ، فيُصبحُ الْغِناءُ معادِلاً نفْسِيّا للصّراخِ الصّادِقِ وَ الْمؤطّرِ بنُبْلِ الْمقاصِد ... إنّهُ غناءٌ لِردْعِ الظّلام ، وَ إيقاظِ الْهمم حتّى وَ هْيَ في قُبورِها ، وَ حِمايَة الْمقْهورِين ، وَ الْإجابَة عنْ همومِهم وَ ... وَ ...
-        دائِرَةُ الْأنَا : في تَلاوِينِ الدّوائِرِ السّابِقَة ، تأتي الذّاتُ لِتتويجِ اللّحْظَة ، في انْبِثاقٍ جلِيلٍ يُفْصِحُ عنِ انْخِراطِ الذّات في مشْروعِ التّغْيير ، منْ مُنطلَقِ التّضْحِيّة لا الْانْتِكاس { منْ عْروقِي ، نْسطّرْ سْطُورْ } وَ الْجهْرِ لا التّكتّم { نْغنّي بْ لجْهَرْ } وَ الْكشْفِ عنِ الْأسْباب في اتّجاهِ ثقافَةِ الْمساءَلَة { شْكونْ سْبابُو } وَ ثقافَة الْجزاء { فْ لاخْرة يلْقى جْوابُو } ... في ثنائِيّةٍ تتّسِمُ بالْواقِعِيّة ولا ترْكنُ إلى الصّبْرِ الْانْهِزاميّ .

هذا هوَ الْفاضِلُ " عبدالله الْغازي " منْظوراً إليْهِ منْ منْظورِ الْعشْقِ الْمفعَم بلغَةِ الْاشْتياق لِدوائِرَ مُحرّمَة ، يخْتَرِمُها لِيعْلِنَ عشْقَهُ الْأبدي للخيرِ وَ الْجمالِ في غيْرِ خوْف وَ لا مُوارَبَة  ... وَ هذا " أنا " دخلْتُ عالَمَهُ راكِضا ، لكنّني لمْ أعرِفْ كيْفَ أخْرُج منْهُ ، ، فهُوَ فضاءٌ يعجّ بالْواحات ، وَ عطشِي كانَ شَديدا .

...
أنظر النصّ :
مشتاقْ أنَا
...
مشْتاقْ انَا
 نْعانق داكْ النّور
مشْتاقْ نربَطْ لمحنة
ونْرِيّبْ داكْ السّورْ
مشْتاقْ انَا  نْعانقْ حَرفْ
و عْلِيهْ  ندورْ و نْدُورْ
عْلى عْنايتِي سلمتْ لْخاطرْ
و بْحرُوفْ  جْدودِي مسْتُورْ
مشْتاقْ أنَا
نبْرّحْ فْ سْوَادْ اللّيلْ
نْعَلّقْ جلّابْتِي
و نْعَمّرها بْخُورْ
مشْتاقْ نْبَرّحْ بْ كْلامْ
و نْفَيّق صْحاب لقْبُور
منْ كَفْنِي نْنسَجْ سلْهام
و منْ عْرُوقي نْسَطّر سْطور
نْغنّي بْ لجْهَـرْ
عْلى حْيوط رَابُو
عْلى داكْ  لْمقْهُور
شْكون سْبابُو
عْلى سِيحةْ لغْدَر
كْلاتُو منْ جْنابُو
عْلى كلْ منْ طْغَى ؤُ تْجَبّر
رْبَحْ أوْ خْسَرْ

فْ لاخْرَة يلْقى جْوَابُو
...
بقلم : نورالدين حنيف

مقاربَة تحليلية في زجلية للشاعر حمّو عرجي

الْمدِينَة ، فَضاءُ اغْتِراب
فِي قَصيدَة " فْضالَة لمْفَضْلَة " لحمّو عرْجي
مُقارَبة نورالدّين حنيف
...

شرّفني الفضاءُ الْأزرقُ بْالتّعرّفِ على السيّد " حمّو عَرْجي " في سِياقِ الصّداقاتِ الْغيرِ مشْروطَة ، والّتي تبْنِيها رَغْبَة في اكْتِشافِ الْجمالِ هنا وَ هُناك ، في الْاحْتِفالِ الْأبَديّ بِأعراسِ الزّجَلِ الْمغْرِبيّ الْباحِثِ دَوْماً عنْ شكْلهِ الْهَيُولانِي الْجميلِ الْجلِيلِ ، تُطَرّزُهُ أيْدٍ وارِفَة الْعطاءِ ، متَمَيّزَةِ التطْرِيز ... ابْنُ " فْضالَة " الْفاضِلُ " حمّو عَرْجِي " واحِدٌ منْ هذِه الثّلّةِ الْمُبَشّرَة بِجنّةِ الْبوحِ الْمخْمليّ .

وَ هذِه واحِدَةٌ منْ شتّى ، منْ عالَمٍ زَجليّ ، يَنْضَحُ حياةً ، في غيْرِ بَهْرَجَة ، وَ في غيْرِ تَزاوِيقَ ، وَ في غيْرِ صَخَب . يُلْقِي الشّاعِر " حمّو " بالْألَق في دُروبِ الْعِشقِ النّقيّ للْجمالِ ، فيَجدُ ألَقُهُ الْآذانَ الْمُصغِية ، مادامَ قدْ تبنّى الْبَسَاطَة الْمكْتنِزَة فَلْسَفَةً لخطّ بوْحِهِ الْفنيّ ... لا أطيلُ عليْكم ... فهذِه قصيدَتُهُ تتكلّمُ عنْهُ ، لِتُسْكِتَ لَغَطنا الْجميل ...

يُغنّي الشّاعرُ مدِينَتَهُ ، تُرْبَةَ الْخروجِ الْأوّل ، وَ عَجِينَةَ الْانْتماءِ الْفخور ... يُغنّيها بِطرِيقَتهِ الْخاصّة ، بغَيْرِ دُفوف ولا أوتار ، يُغنّيها وَ كفى ... يُغنّيها بِصمْتِهِ وَ بِبَصْمَتِه الْمُفْرَدَة ... يُغَنّيها في وَهْمِ الْآخَرِ الّذي عَزَلَها عنْ سياقِ الْاجْتِماعِ الْمَديني الْمَدنيّ ... يُغنّيها في خَطَلِ منْ وَسَمها بالْقهْرِ وَ الانْقِهار ... وَ في حُمقِ منْ ظَنّها ابْنَةَ الْخوفِ وَ التّخلّف ... يُغنّيها وَشْماً غائِرا الاِنْرِسام في وجْدانِ كلّ " فْضاليّ " غَيور .

لكنّ الشّاعِر ، يُحوّلُ حساسِيَتنا الْقِرائِية إلى منْعَرَجٍ آخر ... وَكأنّهُ أدْرَكَ أنّ التّوصِيفَ الْباكِي منْزَلَقٌ غيْرُ مأمونِ الْعواقِبِ ، فَدلَفَ بنا إلى شيءٍ منَ التّمجيدِ والْانْتِصارِ لِأبْنائِها ... وَ حقّ لهُ ذلك ... فالنّاظِرُ نِصْفَ الْكأسِ ناظِرٌ غيْرُ عادل ... منْ هُنا خَرَج الْمقُولُ إلى وَصْفِ الْقوّة في ضخْصِ " لعْزارَة " الّذين نوّروا الْمكانَ من سُلْطان الْإعتام ، وَ حرّروهُ منْ دَرَنِ الْكلابِ ، وَ تغنّوا ، بعْد ذلكَ بالْمدِينَة في انْتصارِها على الْخواءِ بنَظْمِهم الْقوافِي وَ تطْرِيزهم الْقصائِد ، وَ تطْرِيبِهم وَ إطْرابِهم وَ طَرَبِهم ، عبْرَ اللّغَة الْمشْترَكة الّتي يعْرِفها أهلُ " فْضالَة " كلّهم ، ونقْصدُ لغةَ " الْمرْساوي " الّتي اخْتارَها الشّاعِر بِوعْيٍ منهُ إمْعاناً في ترْسيخِ الْبعدِ الْفنيّ الْمحلّيّ الّذي تشْتركُ فيهِ وجْداناتُ النّاس بِلا مُنازع ...

هكذا ، خطّ الشاعِرُ خطُوطَ بوْحِهِ ، توْصيفا وتمْجيداً لِينْتهيَ إلى بؤْرَةِ الْقصيدِ ، حيثُ إحْساسُهُ بالْاغْتِرابِ في مدِينَتِه ، في جلْدٍ فنّيّ للذّاتِ وَهي تتلقّى الصّدْمَةَ ممّنْ أحبّ ... بعْدَ  أنْ تغَيّرَتْ ملامِحُ الْمدينَة منْ فضاء طبِيعي مُفْعَم باللّون الْجميل { مشْهد الْغروب } وَ دفْ الْعلاقات { جلساتُ السّمَر } وَ بَراءَة الْورد ، ونقاء التّراب ، وَ عبَق رائِحة الْبحر الْمعْجونَة بالْمحبّة الصّافية ، وَ ... وَ ... وَ ...

وفِي غَمْرَة الْانْتماءِ وَ الْفخر بهذا الْانْتماء ، تأتي ضَرْبَة الاغْتِراب قاسيّة ، قاصِمَة لِظهْرِ الذّات { قتْلُو لْورْدْ ؤُ حسْبُونِي برّانِي } .

الشّاعرُ " حمّو عرْجي " ينْظِمُ الذأتَ ولا ينْظِمُ الْقصيدة وحْدها ، في تماهٍ غَريبٍ وَ جميلٍ بين الْأقْنوميْنِ ، حتّى لا قِبَلَ  للْقارئ بالْفصْلِ بيْنَ الذّوات ... هو وحْدَهُ الشّاعِرُ الْمفْرَدُ في انْتِمائِهِ وَ الْمفْرَدُ حتّى في اغْتِرابِهِ ، قادِرٌ على ذلك ، لأنّهُ يُمْسِكُ بأطْرافِ الْأقْنوميْنِ بكفّ منْ حرير ، ولا أدلّ على ذلكَ أنّهُ لمْ يضَعْ مدِينَتَهُ الّتي صدمتْهُ في قفصِ الْاتّهامِ ، بلْ عاتَبَها في صمْتِ الْحكيمِ الّذي يُحبّ الْمُعاتَبَ ولا يُريدُ قهْرَه
...
شكراً للْوارِفِ " حمّو " على هذه الْجلْسَة الْمُمتِعَة
...


أنظر النصّ :
 فْضالَة لمْفَضلَة
_________
لا تْگولْ
فْضالَة
بْلا مّالِي
لا تْگولْ
جَابتنا لْقهْرة
ؤ لعْتالي
لا تْگولْ
وْصلنا بْلا مّاصلْ
راهْ بينْ النْوايلْ
كانْ لْخُوف حاصلْ
خرجُو لعْزارَة
ضوّاوْ الظْلامْ
بْ لعْوافِي
حَرّو لْحُرّة
مَ لْكلابْ
ؤُ نَضْمو لقْوافِي
كانتْ لقْصِيدة
قصْبَة
بابْ لمْحَبّة
منْ مْشاربْ التْرابْ
غَنّاو لحْبَابْ
عَيْطة مرْساوِية
حَاتْـلة  فْ لْگلبْ
راسْية فْ لمرْسَى
فاَلْها الجامعْ لبْيَض
ولْعالْيَة سارْيَة
طالّة علْ لبْحَر
زْرُوقيتْ السْما
منْ ماهْ
ؤُ رْمالو ذهْبيّة
علّمْتيني يا مْدِينْتي
بْجوْ سْماكْ الصّافي
نعشقْ لبحَرْ
ؤ نقطفْ من نْسيمْ رِيحتكْ
مَسكْ اللّيلْ
مْعطّر بجوْ سْماك
ؤُ مْندّي بْ ما بحْركَ
واشْمَة غْروب الشّمسْ
بينْ حْضَانك
علّمتِيني يا مْدينتِي
نحسبْ النّجومْ
طلّة فْ لافَاليزْ
تْفَاجِي لهمُومْ
كانْ الصبرْ
ؤبانْ لغدرْ
ضاقتْ النفُوسْ
وْ بناوْ لحيُوطْ
صْفُوفْ صفوفْ
دكّو لَرضْ
قتْلو لورْدْ
ؤُ حسْبُوني برّانِي

...
بقلم : نورالدين حنيف

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...