نون حاء
نون حاء
نورالدين حنيف –
كاتب من المغرب
==
في كتابه ( فن
صناعة التكتلات السياسية ) يُعرّف الباحث
السياسي ( ليونيل زيتر ) اللوبي بأنه ( حملة ضغط منظمة ومتعددة الأشكال والأدوات،
تسعى إلى التأثير في الحكومات ومؤسساتها التنفيذية، والحكومات المحلية، والمؤسسات
التشريعية، لفرض أجندات معينة على السياسات العامة، بأساليب الإقناع السياسي ) * 1
يتدثّر هذا التأثير
تحت غطاء مجموعة من التسميات أبرزها تسمية اللوبي الذي كان قبل انتشار شروط
موضوعية ترتبط بالحداثة و التقانة و سرعة التواصل ، مجرد تكتُّم سرّي ، ثم أصبح مفهوما
متداولاً في الأوساط الثقافية و كذا في نسغ المجتمعات و في أوصالِها .
ولقد فتَحَت
التقنياتُ الحديثة ، عبر انتشار وسائط الإعلام والاتصال و غيرها ، شهيةَ مفهوم
اللوبي كاملةً ، تدعمه في ذلك الآلة الإعلامية ، كي يقرأ السياسة التقليدية من
زاويته الخاصة المبنية على التضليل و الكذب لإفساد المشهد السياسي العالمي برمّته
. و هو الأمر الذي ينبغي أن ننظر إليه في عمقه ، إذ لا تكتفي هذه الآلة بتحويل
القيم و مسخها و ضرب القناعات المؤمنة بها، بل تذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث تتحكم
في بناء الأجندات الخاصة بالجماعات و الأفراد الذين يتهافتون على الفضاءات
الإلكترونية تهافت الفراش على الضوء ، فيما هم يزْورّونَ عن المشاهد الواقعية و
التي تخصّهم في حميميتهم بحكم التمويهات الخطيرة التي تمارسُها جماعاتُ الظل .
اللهمّ بعض المثقفين الذين استوعبوا اللعبة ، فمارسوا من جهتهم بعضاً من المسؤولية
الحضارية ، عبر صرخاتهم الموزَّعة بين النضج العلمي و الانطباع الوجداني ، و التي
لا تجد الآذان المصغية الكافية كي يشكلوا معاً قوة ضاغطة مناقضة ، قادرة على تغيير
وجه النهر الرّتيب .
إن من سمات هذا
التضليل و التغليط ، سمةُ عجن الصواب بالخطأ و الحقيقي بالمزيف ، والصادق بالكاذب
، و الفعلي بالوهمي ، إلى درجة التمييع الموسوم بالقدرة الخارقة على تركيم طبقاتٍ
سميكة من التعمية ، تغشى الرؤية و تسيطر عليها و توجهها إلى أهداف تلكم الآلة
السائرة في آخر المطاف إلى صناعة الكائن المستهلك و العاجز عن التمييز بين ما هو
صحيح و ما هو فاسد . و هنا تحضرني أمثلة تتصل بوضعنا العربي الخاص ، حيث تسمح هذه
الفضاءات بتمرير حالاتٍ من الاستعمال اللغوي البعيد كل البعد عن أصالة العربية و
عِلميتها و أدبيتها ، بغايةِ مسخ حضورها في الذات العربية في تجلّيها المفرد و
الجمعي و السير بها في اتجاه بناء مشروعِ لغةٍ عربية ثانية تتسم في نظر هذه الآلة
، بالمرونة ، التي نسميها نحن مسخاً حضارياً ، من منظورنا الغيور غيرة علمية واعية
على هويتنا العربية الإسلامية ، لا غيرةً مجانية مندفعة .
كان هذا مثالاً ،
غيضاً من فيضٍ ، أو شجرةً تخفي غابة . و ما خَفِيَ كانَ مُحرّكاً لوعينا بضرورةِ
الحديث عن تغير شروط المشهد السياسي داخل هذه المنظومة الحداثية الطافحة
بالمتغيرات الجذرية ، في قراءة للحالِ المكذوبةِ و الكاذِبَة على واقعنا العربي و
المغربي على حدّ سواء . و هي الحالُ التي أفرزتْ كثيرا من التقليعات السياسية
القابضة على محور الكذب باعتباره الوجه التطبيقي المناسب لروح العصر المخاتِلَة و
المبتعدة في إصرار غريب عن كل ما يقرّب إلى القيم الإنسانية الحاملة لحقيقة ( الله
) المطلقة ، و الحاملة تباعاً للمقولات الرسالية المحمدية المتفرّدة في صناعة
الحضارة . من هنا ندرك عمق و خطورة هذا التوجه العالمي المبني وفق تصوّر عدائي
لكلّ ما هو شرقي موسوم بالمحمّديّة النقية و التقيّة و الراقية . و هو تصوّرٌ
عدائيٌّ يتلبّسُ داخل أقنعة متعددة ، بين العلمي و الفلسفي و الفني و الأدبي و
الفلكلوري و غير ذلك من القنوات الحاملة لإمكانية الضغط الناعم على الأفراد و
الجماعات و توجيهها التوجيه المرغوب فيه .
إن عمليات
الضغط لا تنسج خيوطها القاهرة بيد من حديد
إلا في الحالات المستعصية ، و حتى هذه الحالات يسبقها إصرار ماكر على تفعيل
السياسة الدولية انطلاقاً من التمرير النّاعم للكذب التاريخي ، تبريراً يدعم الفعل
السياسي غير المشرعن . و أبرز مثال لذلك هو تسويغ الدخول الغربي إلى بلاد العراق
عام 2003 تحت ذريعة امتلاك هذا البلد لأسلحة الدمار الشامل ، مما أقنع الرأي
الدولي ، و ضمنه الإقليمي و المحلّي العربييْن
، بشرعية هذا الدخول و قِيَمه الإيجابية لأنه يندرج في إطار المصلحة
الدولية العامّة ، إن لم تكن هي المصلحة الكونية ، والتي تحتاج إلى وصيّ عليها ،
فلا يجد المقام الكوني إلا هذا الغرب السيّد و المتسيّد ممثِّلاً مناسبا لحمل هذا الثقل الحضاري .
لا تعلن هذه
الوصاية عن ذاتها بشكل مباشر ، لأنها – أصلا – مرفوضة في برّانيةِ خطاب الجماعات
الضاغطة والمُسوّقة لمنظومة القيم التي لا تني هذه الجماعات لحظة واحدة في تكريسها
و السعي الدؤوب لنشرها على أوسع نطاق . و تعلن عن ذاتها في أشكال أخرى تتسرب في
نسغ العلاقات الدولية بشكل مُلمّع يعانق المنطق السليم و يسري في أوصال المجتمعات
سريان الحاجة الحتمية .
...
*1Zetter, L. Lobbying - The Art of
Political Persuasion, (Harriman House LTD, Petersfield-UK, 2008). p. 3
==
من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي - تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...
مشاركات شائعة |
عن الكاتب
|
إشترك معنا للحصول على آحدث الأخبار والمقالات الخاصة بموقعنا