الشاعرة وفاء أم حمزة ترسم خارطة للفجر
قرنفلات الشمس،
...
بلا عنوان ..بجنون مذهل ، أسرع إليكأطوق عنق الكلام في حلقكو دفء عينيك يتشربني .. !!تزفرني حرارتي في هامتكو دمانا ، أنت و أناتركض في شرايين البوح ... ..كآاااه .. في مواويل ننبضو كأنات في لحن ننسابو بلا مقياس ، نتحددو نتجسد في أطول قصيدةبلا .. بلا عنوااان .. !!...تكتبُ الفاضلة ( حفيظة يوسفاني ) كما لو أنها تبني أعشاشاً من حرير لطيورٍ نادرة لا تُحلّق إلا في سماوات الربيع . و من ثمّة يأتي شِعرُها دوحاتٍ من مجاز الصورة و رقيق الانزياح و كأنها تبحث عن المفردة التي تليق بمقام الهمس الشعري بحثا لا يبدو لقارئ عابر أنه يؤرّق الشاعرة و يقضّ لها مضاجع القول الجميل .و بلا عنوان ، تُدبج الشاعرة ( ح ي ) القصيدة و كأنها تخشى على أعشاشها أن تُضبطَ بالعلامة الفاضحة لوجودها في المكان . إذ العنوان هوية أو جزء من الهوية ، و الشاعرة مازالت تنسج لشعرها خيوط الهوية و لم تكتمل في أناملها خصائص هذه الهوية ، لهذا ، فهي تُهرّب قصيدتها خارج أزمنة القبض على المعنى من طرف قارئ يستعجل المعنى . هكذا جاء العنوان مفارقا للعنوان ، في تأويلٍ شعري لمفهوم العلامة السيميائية القاضية بتربيب الكلام في مهده الأول خارج التسييج النوعي الذاهب بالقصيدة مذهب الإدهاش من خلال رفض العنوان .و هذا الرفض النسوي للمؤشر \ العتبة هو رفض حريريٌّ يعتنق فلسفة الجنون في تجليه العارف لا في تجلّيه المَرَضي . فهو الاستهلالُ المذهل الذي سيفتح القصيدة على مصراعين أو أكثر . و هي مصاريعُ تنفتح على الآخر في دورة حياتية تُقبِل على المعنى و على اللامعنى ، و ترسم العلاقة الوجودية بين الذات المتكلمة و الذات الموضوع ، داخل لوحة تشكيلية مادّتها الكلماتُ الإدهاشية الخارجة بفضل رؤية الشاعرة من صميم القواميس الجامدة إلى حيوات السياق الحية و الدينامية القادرة على تسليم المعنى الأول إلى مقاصل القراءة الاستهلاكية .الشاعرة ( ح ي ) لا تريد قارئا مستهلكا ، لهذا فهي تُلاعب فيه عمقه الاستقبالي كمرسل إليه يعنيه الحرف و ظلال الحرف . من هنا جاءت العبارة قوية في لطف و لطيفة في قوة . أنظر إلى قولها : أسرع إليك و أطوق عنق الكلام في حلقك ) ... فالكلام هنا لا يقف عند حدود الصوغ الانزياحي المُهرّب للكلام من عتبات المعنى إلى آفاق اللامعنى فحسب ، و إنما و أساسا هو الشعر الذي يبني المسافات المتوتّرة بين الأنا و الآخر في وعيٍ جليلٍ بالكتابة الشعرية التي تجعل من المسافة بؤرة التشكيل و الغواية و الصدح و القول . و لعل مفردة ( أسرع ) تفيد تمدّد هذه المسافة كجسد غير مرغوب فيه مادام يمارس ثقافة البعاد . لهذا كان أول ارتماء للذات المتكلمة عيناً دافئة تستقبل هذا الركض المجنون ، بحثا عن رجوعٍ تاريخي قديم يوم خرجت حواء من ضلع آدم . و الشاعرة هنا تكسّر أسطورة الرجوع لا إلى الضلع المحبوب ، و لكن إلى شيء أجمل من الضلع الذي يتيح فكرة الوجود البنيوي ، أما الرجوع إلى العين فهو الرجوع الأكبر . لأن العين أكثر حضنا من الضلع ... و لعل خطاب القرآن يفيدنا هذا التخريج السيميائي (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ...بعد ذلك تسترجع الشاعرة فكرة الهوية التي لا تتحدد في منظورها إلا داخل التوحد الإنساني بين ذاتٍ تتكلم بالإدهاش و بين ذاتٍ تحضر أكثر إدهاشاً من خلال توحيد الدم في تعدده ، إلى دمٍ واحد يركض و يركض حتى يتحول الركض إلى موسيقى تنساب و تتجسد في هوية القصيدة التي ترفض دائما حصار العنوان .هكذا قرأتُ الشاعرة ( ح ي ) في عجالة سياقية تستفز القصيدة و لا تقول عنها كل شيء ... لأنها من الشعر النثير الغابر في المعنى و تأويل المعنى . و ما أدواتنا في ملامسة بعض الإشراق فيها إلا محاولة لاستيعاب حجم الوجود الإنساني الذي ترسم الشاعرة معالمه في ذكاء نوعيّ يستحق أكثر من مقاربة
...
امتطى الشاعر علال حمداوي الهاشمي صهوة
القريض في هذا القصيد على متنٍ أنطولوجي يمكر باللغة في سيمياء التأويل . و فيه
يرمي بنا الشاعر داخل لعبة اللغة و الوجود ، متأبّطاً حالةً نكرةً من حالاتٍ
وجودية متعددة ، في مُساءلة عميقة ترجّ أذهاننا الكسولة و تقتلعنا من أرائك
الوثارة إلى صخب الاستفزاز اللذيذ .
و حين يبدأ الشاعر علال حمداوي فإنه يبدأ من
حيث الإشارةُ الماكرةُ إلى التحقيب الشعري للزمن الهيولاني ، داخل قبضة فنيةٍ ترسم
للذات وجوداً محاصرا باللاحصار و مفتوحا على قسوة التأويل ، في ثنائية الأزل و
الأبد ... قال الشاعر :
أنا رجل
موجودٌ منذ الأزل
حتّى أنفاسي
بطلاء أبدي
و حيث إن
الفرق بين الأزل و الأبد هو أن الأول له نهاية و الثاني بغير نهاية فإن الشاعر هنا
اختار هذا التكامل اللازمني ليرسم لنا قوة الوجود الممكنة في سيمياء فائض المعنى
لا في المعنى . لأن هذا الأخير يسيّجنا داخل أقنوميْ البداية و النهاية و بالتالي
يحاصر فينا ذلكم الاشرئباب الممكن في الخروج من كل أضرُبِ الشرنقات الوجودية . و
هكذا يتم تحقيق الانسجام النصي بين التصور و اللغة في شعرية شاعر يعرف ما يقول و
يعرف كيف يقول . و الدليل أن الأزل المرتبط بالبداية و القدم أسند له الشاعر
إمكانية التاريخ ( أنا موجودٌ منذ ...)
لأن هذه ( المنذ ) تدل في معجمها على الزمن المعدود ، إشارةً ماكرة إلى
بداية الإمكان البشري المصحّح لتمثلات المتلقي لمفهوم الخلق المؤطر داخل زمن
الولادة و زمن الموت ...
في حين أن
الشاعر أسند لمقولة اللانهاية مفهوم الأبد في انسرابه الزئبقي خارج قبضة التاريخ و
التأريخ معاً . و في إتمام اللامعنى ، أي ما سميناه بفائض المعنى ، نجد الشاعر
يربط بين الأبد و الأنفاس في مقابل ربطه للوجود بالقدم ... و معنى ذلك أو تأويل
ذلك هو أن الشاعر يؤرّخ للروح ( الأنفاس ) خارج قبضة الحيز . و كأني بالشاعر ينتصر
لإمكان الحياة الروحية الممسكة بكل المعنى على حساب الحياة الفيزيائية المتلوة في
شعائر الوجود و الممسكة ببعض المعنى فقط .
يستمر الشاعر
في فلسفة الوجود من رؤياه الخاصة في تحول سيميائي جديد يرتبط بممارسة الوجود داخل
اليومي ، و كأن الشاعر يريد النزول بالمعنى من تعاليه إلى وجه من وجوه الدلالة
التقريبية حذاء تخوم القارئ . و من ثمة يحدثنا عن تجدد نسغ الحياة في الذات كل
صباح ، و هو التجدد الذي يدعو الذات إلى الشعور بالكتلة ، أي بالوجود الفيزيقي
كإشارة بعيدة إلى نرجسية الموجود و هو
يقبل على ممارسة الحياة داخل المكان عبر طقوس الفرحة بالأفق و بالشمس ، بقرينة
لفظية دالّة ( أتغنّى بالأصيل والغسق ) ... و هي الطقوسية الموصوفة هنا بالجسر
الذي يمد بين تمثلنا لحالة الوجود كفلسفة متعالية و بين تمثلنا لهذه الحالة
كممارسة . و في كلا الحالتين لا يتركنا الشاعر دون توصيفٍ يؤطر رؤيتنا المنتِجة
داخل مكر المقارنة .
و سرعان ما
يتدخل الشاعر ليجيب عن سؤال المقارنة في توجّه دلالي آخر يستحضر الحالة المفردة
داخل الكوني ... قال الشاعر :
أبحث بين ألسن
الشّعوب
عن أبجدية تحتوي
مكنوني
و كأن المعنى
لا يكتمل داخل رسم الحدود الجغرافية للذات داخل الحيز الذي ألقى بها تاريخيا في
ممكن المكان ... و يكتمل في منظور الشاعر داخل سؤال اللغة الباحثة عن تشكل الإنسان
تشكلا حقيقيا ، أو على الأقل تشكلا مغايرا . و هكذا تأتي اللغة كمؤشر على الوجود
بامتياز و كحالة تستدعي اختلافا يسير في اتجاه الوحدة و التوحد . و انظروا معي كيف
صاغ الشاعر علال حمداوي مكر اللغة و هي تمارس قوة حضورها ، إذ لا معنى للوجود خارج
اللغة ، و لا معنى لهذه اللغة إن لم تكن محددة لمعنى الإنسان ( أبجدية تحتوي
مكنوني ) .
بعد هذا الاستطراد
الدلالي المرتبط بحالة الوجود داخل الكوني تأتي الوحدة اللسنية المشكلة لبؤرة
المحكي الشعري هنا ... و يتعلق الأمر باستدراك الوجود الموصوف قبلاً داخل أيقونة
الرجل فيما السؤال الممكن هو : هل تكتمل هذه الحالة خارج شرط الأنثى ؟
يجيبنا الشاعر
:
أكفرُ بوجود
أنثى وجدت
لتحبّك دون
أن يأسرها
الرّجال ...
وبرجل تكفيه
نساء الكوكب
معلنا فلسفته
القائلة بلا إمكان التجرد ، بدليل قسوة الصوغ الشعري في هذا المقام بالتحديد (
أكفر ) حيث كان الصوغ قبل ذلك صوغا رحيما و مستأنسا . أما في هذا السياق فتجلى لنا
التحبير متوترا يرسم القناعة في دوغمائية لا تترك مجالا للتداول و للنقاش . و فيها
ينفي الشاعر بيقين وجود الحب كما رسمه تاريخ الرومانسيات . فلا وجود لامرأة تحب
الرجل و لا لرجل يحب المرأة ، و إنما هناك شتات وجداني و تسيب عاطفي يرسم اللامعنى
في مجال الحب . و هي وجهة نظر خاصة و شديدة الخصوصية يلفها الشاعر في قالب شعري لا
نناقشها البتة .
و قد نقول في
تأويلاتنا ما لم يقله الشاعر ، و هذا هو مربط التأويل و مصداقيته ، و لكم أيها
القراء مساحات أخرى من الفهم و فهم الفهم . و شكرا لعلال حمداوي على هذا الاستفزاز
اللبق و إلى فرصة تأويلية أخرى إن شاء الله .
المتن الشعري
:
حالة وجود ،
نثيرة للشاعر علال حمداوي
أنا رجل
موجودٌ منذ الأزل
حتّى أنفاسي
بطلاء أبدي
كلّ يوم
يعلنني فيه عمر جديد :
يعاودُني
دبيبي كتلةَ كيانٍ ،
بجبيني المترف
ببعض الوقاحة
أشعرُ
بالصّباح
ونادرا ما
أنظرُ صوب الشّمس،
أتغنّى :
بالأصيل والغسق
دون تحديق
يُذكر
في الأفق…
أبحث بين ألسن
الشّعوب
عن أبجدية
تحتوي مكنوني
يتساوى عندي :
النّافق بالميّت
فنحن سواسية
في تابوت
الحياة…
أكفرُ بوجود
أنثى وجدت
لتحبّك دون
أن يأسرها
الرّجال….
وبرجل تكفيه
نساء الكوكب
يمكنك فكّ
ضفيرة الحياة
إذا ضفرت بلغة
شاهقة المعاني
فالإغواءُ
لعنةٌ تلازمُ الشّاعر
حتّى يرتدي
حرفهُ رداء القداسة
بعيدًا عن
الأحاسيس الجارفة
للإنسان
بعيدًا عن آدميته ...
...
من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي - تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...
مشاركات شائعة |
عن الكاتب
|
إشترك معنا للحصول على آحدث الأخبار والمقالات الخاصة بموقعنا