الخميس، 7 سبتمبر 2017

مقاربة تحليلية في زجلية للشاعر " حسن صبي "


حسن صَبي الْمُلوّن ب " أبي إلياس "
شاعِرٌ يصْطادُ الْكَلِمة من قلْبِ الْمَحار

...

عَرَفْتهُ في فضاءِ الْأزرق ، حاضِراً بِقوّة ، يَسْبِقُهُ سَمْتٌ جميلٌ ، لِصَمْتٍ جَلِيلٍ ، اقْتَبَسَهُ منْ سُكونِ الْبَحْرِ الغائِر غَوْرَ الْمُداهَمَة ... وعَرَفْتُهُ زجّالاً رقيقَ ملْمَسِ الحُروفِ ، في غَيْرِ وَهَن ، راقِيَ الْمَعْنى يَطِيرُ في سَماءِ الْإبداعِ بِأجْنِحةٍ منْ وَسَن ... يرْسُمُ الْقَصِيدَةَ ولا يَتْلُو مَراسِيمَها على الآذانِ ، لأنّها أجْراسٌ منْ فنّ ، لا تَحْتاجُ إلى مُكبّراتٍ صوْتِية ، وَ في ارْتِقاءِ السّدِيمِ دَليلها هُوَ عِشْقُها للقِيمَة الْإنْسانِية النّبيلَة ، في لُبُوسٍ لُغَويّ محَلِّيّ مُحَلَّى بِعَبَقِ التّراث ... ذاكُمُ هُوَ الوارِفُ حَسَنُ صَبِي

تبْدأ الْقصِيدة بإلْحاحِ الرّغْبَة في التّمَظْهُر والتّجلّي ، وكأنّها مُحَمّلَة بالثّقل النّازِلِ على صَدْرِها نُزولَ الشكّ الْباحِثِ عنْ أجْوِبَــة ، لِأسْئِلَة ضاغِطَة ، وجُودِيّة ، تَمْتَطِي صَهْوَةَ الاسْتِفْهامِ الْعامِرِ بِشَتّى الاِحْراجات { بْغيتْ غا نْعرَفْ شْكونْ أنا } ... سؤالٌ يَخْرُجُ عنْ معْناه الْبلاغِي المُباشِر إلى دوّامَة منَ الْمُطارَحات المُقْتَرِبَة منْ تُخُومِ السّؤالِ الْفَلْسفي . سؤالٌ يسْتَفِزّ " الذّاتَ " بأحْرُف كبيرَة ، تُلْقي بِظِلالِها الْهَيُولانِيّة على باقِي الذّوات ، لِتُصْبِحَ الْمُساءَلَة إشْكالاً وجودِيّاً عامّا كاسِحا لِأطْيافٍ مُتعدّدة ، في عِزّ التّيه وانْفِلاتِ الْمعْنى منْ قَبْضَةِ اليَقِين { واشْ أنا أنا ولّا أنا النّاسْ } ... فَتتدَاخَلُ " الْأنواتُ " في بُؤرَةٍ واحِدة في اتّجاهِ أنْ يُصْبِحَ الزّجلُ مشْروعاً فنّيّاً مُشْرَعَةَ أبْوابُهُ على كلّ الاِحْتِمالاتِ ، مِنْها احْتِمالُ الْمُساءَلَة والْمُكَاشَفَة والْبحْثِ عنْ الضّوءِ في سَدِيمِ الإعْتام

هذا رُقِيّ ماتِعٌ أنْ تتَقَدّمَ الْقَصيدةُ الزّجليّةُ شاهِرَةً سَيْفَ السّؤال عن هويَةِ الْإنْسان ، في بحْرِ الْمُغالَطاتِ حيثُ يَضيعُ الْمعْنى ، وتَتِيهُ الْأجوِبَة في ضبابِياتِ التّموقُع ... هل الذّاتُ هيَ ما يُحِسّهُ الْمرْءُ حُدوداً لِشَخْصِهِ الْمُفْرَد ؟ في غِيابِ الْمَعايِيرِ الْموضُوعِيّة لاقْتِناصِ شَكْلٍ يَقْتَرِبُ من الْهُويّة ؟ { ورّيوْنِي قْياسْ الْأنا بيهْ نتْقَاسْ } ... طَلَبٌ مُمِضّ وواخِز ، يسْتَجْدي منَ الْمُخاطَبِ قَبَساً من نُور ، يَسْتَأنِسُ بِهِ في مسِيرَة الْبحثِ عن الذّات ... وهلِ الْمُخاطَبُ مُؤهّلٌ لامْتِلاكِ حَقيقَة هذه الْمقايِيس ؟

وَ بِذكاءٍ نوْعيّ ، تنْخَرِطُ الذّاتُ الشّاعِرَةُ في رَسْمِ حدود الذاتِ الْوجودِيّة ، في مُحاوَلَةٍ للْعُثُورِ على وَطَنٍ لِهذه الذّات ، بالْمَفْهومِ الْفلْسَفي لا الْجُغْرافيّ ، فيَلْجأ الشّاعِرُ إلى لُعْبَة الْمُقارَنَة بيْنَ الذّات الْمتكَبّرة والذّات الْبَسيطَة { مرّة نحسْ بلّي قاتْلاني الأنا - الرّيش منفوشْ والكبرْ اعْمانا } بينَ التّكبّر والتّواضُع ، بينَ التّعالِي الْخاوي والاِمْتلاء المفْعَم ... في اتّجاهِ الْمُقارَنَةِ الْكُبْرى بينَ الْمحبّة والْكَراهِيّة ، والّتي يُبَئّرُها الشّاعِرُ خِياراً رؤيَوِياً يَبْنِي بِهِ قناعاتِهِ للْوجود وللْعَلاقات { خلّيتْ قصورْ المحبة من السّاسْ - الدنْيا بمقصْ الكراهِية واسْمَانا } في تعْبِيرٍ ضِمْنِيّ أنّ المَحبّةَ هيَ الْخِيارُ الْأوْحَدُ لاِكْتِشافِ بَعْضِ معالِمِ الذّاتِ في أزْمِنَةِ التّيهِ والنّفاق ، حتّى وإن بَدتْ على سَطْحِ الْمَقولِ الْمَنْطوقِ حَيْرَة بِتلاوِينَ شاكّة { نبْينو المْحبة والكراهية ساكنانا - و المْخير منا فالنفاق غمّاس }  تَلْويحاً إلى أن الذّاتَ الشّاعِرَة لا تَمْلِكُ الْجواب ... وهذا لَعَمْرِي سِرٌّ منْ أسْرارِ الْإبْداعِ الْمَسْؤولِ في تواضُعِ الْكِبارِ الّذي لا يُعْطِيكَ كلّ الْإجاباتِ حتّى لا يَسْلُبَ للْمُتَلَقّي إرادَة

هكَذا قَرأتُ السّيد حسن ، في بعْضِ عوالِمِه الثّرّة الثريّة ، الْمُنْسَابَة دلالاتٍ رَشِيقَة ، في غَيْرِ تَصَنّع ولا تَكلّف ... لُغَة تَمْتَحُ منَ الْبَسِيطِ ألَقَها ، وتُقَدّمُ ذاتَها عَروساً في حلّةٍ قَشِيبَة لا بهْرَجَ عَلى مُحَيّاها ، ومعَ ذلكَ تُبْهِرُكَ بجَمالِها الْأخّاذ
...

أنظُر النّص :


بغيت غا نعرف شكون أنا
إلى الري ما بقا ريي أنا
واش أنا أنا ولا أنا الناس
مرة نحس بلي قاتلاني الأنا
الريش منفوش والكبر عمانا
باش نعرف أنا شكون أنا
وريوني قياس الأنا بيه نتقاس
كانت حياتي بسيطة مزيانة
طيور المحبة طايرة فسمانا
خليت قصور المحبة من الساس
الدنيا بمقص الكراهية واسمانا
نبينو المحبة والكراهية ساكنانا
و المخير منا فالنفاق غماس
...
                       بقلم : نورالدين حنيف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...