الاثنين، 9 مايو 2022

حفيظة يوسفاني تجعل الأنثى تنزح من العين لا من الضلع - بقلم نورالدين حنيف

   



...

 

حفيظة يوسفاني تجعل الأنثى تنزح من العين لا من الضلع

بلا عنوان ..
بجنون مذهل ، أسرع إليك
أطوق عنق الكلام في حلقك
و دفء عينيك يتشربني .. !!
تزفرني حرارتي في هامتك
و دمانا ، أنت و أنا
تركض في شرايين البوح ... ..
كآاااه .. في مواويل ننبض
و كأنات في لحن ننساب
و بلا مقياس ، نتحدد
و نتجسد في أطول قصيدة
بلا .. بلا عنوااان .. !!
...
تكتبُ الفاضلة ( حفيظة يوسفاني ) كما لو أنها تبني أعشاشاً من حرير لطيورٍ نادرة لا تُحلّق إلا في سماوات الربيع . و من ثمّة يأتي شِعرُها دوحاتٍ من مجاز الصورة و رقيق الانزياح و كأنها تبحث عن المفردة التي تليق بمقام الهمس الشعري بحثا لا يبدو لقارئ عابر أنه يؤرّق الشاعرة و يقضّ لها مضاجع القول الجميل .
و بلا عنوان ، تُدبج الشاعرة ( ح ي ) القصيدة و كأنها تخشى على أعشاشها أن تُضبطَ بالعلامة الفاضحة لوجودها في المكان . إذ العنوان هوية أو جزء من الهوية ، و الشاعرة مازالت تنسج لشعرها خيوط الهوية و لم تكتمل في أناملها خصائص هذه الهوية ، لهذا ، فهي تُهرّب قصيدتها خارج أزمنة القبض على المعنى من طرف قارئ يستعجل المعنى . هكذا جاء العنوان مفارقا للعنوان ، في تأويلٍ شعري لمفهوم العلامة السيميائية القاضية بتربيب الكلام في مهده الأول خارج التسييج النوعي الذاهب بالقصيدة مذهب الإدهاش من خلال رفض العنوان .
و هذا الرفض النسوي للمؤشر \ العتبة هو رفض حريريٌّ يعتنق فلسفة الجنون في تجليه العارف لا في تجلّيه المَرَضي . فهو الاستهلالُ المذهل الذي سيفتح القصيدة على مصراعين أو أكثر . و هي مصاريعُ تنفتح على الآخر في دورة حياتية تُقبِل على المعنى و على اللامعنى ، و ترسم العلاقة الوجودية بين الذات المتكلمة و الذات الموضوع ، داخل لوحة تشكيلية مادّتها الكلماتُ الإدهاشية الخارجة بفضل رؤية الشاعرة من صميم القواميس الجامدة إلى حيوات السياق الحية و الدينامية القادرة على تسليم المعنى الأول إلى مقاصل القراءة الاستهلاكية .
الشاعرة ( ح ي ) لا تريد قارئا مستهلكا ، لهذا فهي تُلاعب فيه عمقه الاستقبالي كمرسل إليه يعنيه الحرف و ظلال الحرف . من هنا جاءت العبارة قوية في لطف و لطيفة في قوة . أنظر إلى قولها : أسرع إليك و أطوق عنق الكلام في حلقك ) ... فالكلام هنا لا يقف عند حدود الصوغ الانزياحي المُهرّب للكلام من عتبات المعنى إلى آفاق اللامعنى فحسب ، و إنما و أساسا هو الشعر الذي يبني المسافات المتوتّرة بين الأنا و الآخر في وعيٍ جليلٍ بالكتابة الشعرية التي تجعل من المسافة بؤرة التشكيل و الغواية و الصدح و القول . و لعل مفردة ( أسرع ) تفيد تمدّد هذه المسافة كجسد غير مرغوب فيه مادام يمارس ثقافة البعاد . لهذا كان أول ارتماء للذات المتكلمة عيناً دافئة تستقبل هذا الركض المجنون ، بحثا عن رجوعٍ تاريخي قديم يوم خرجت حواء من ضلع آدم . و الشاعرة هنا تكسّر أسطورة الرجوع لا إلى الضلع المحبوب ، و لكن إلى شيء أجمل من الضلع الذي يتيح فكرة الوجود البنيوي ، أما الرجوع إلى العين فهو الرجوع الأكبر . لأن العين أكثر حضنا من الضلع ... و لعل خطاب القرآن يفيدنا هذا التخريج السيميائي (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ...
بعد ذلك تسترجع الشاعرة فكرة الهوية التي لا تتحدد في منظورها إلا داخل التوحد الإنساني بين ذاتٍ تتكلم بالإدهاش و بين ذاتٍ تحضر أكثر إدهاشاً من خلال توحيد الدم في تعدده ، إلى دمٍ واحد يركض و يركض حتى يتحول الركض إلى موسيقى تنساب و تتجسد في هوية القصيدة التي ترفض دائما حصار العنوان .
هكذا قرأتُ الشاعرة ( ح ي ) في عجالة سياقية تستفز القصيدة و لا تقول عنها كل شيء ... لأنها من الشعر النثير الغابر في المعنى و تأويل المعنى . و ما أدواتنا في ملامسة بعض الإشراق فيها إلا محاولة لاستيعاب حجم الوجود الإنساني الذي ترسم الشاعرة معالمه في ذكاء نوعيّ يستحق أكثر من مقاربة

هناك تعليقان (2):

  1. جميل وفوق المستوى ،دام الابداع والتميز والبهاء والرونق

    ردحذف
    الردود
    1. تقديرنا الخالص ايها المتذوق الراقي

      حذف

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...