الثلاثاء، 10 مايو 2022

الشاعرة وفاء أم حمزة ترسم خارطة للفجر - الجزء الأول من القراءة






 الشاعرة وفاء أم حمزة ترسم خارطة للفجر

الجزء الأول من القراءة
...
تقترفُ الشاعرة الفاضلة ( وفاء أم حمزة ) جريرة الجمال في نسقِ تركيبي يستمد مرجعيته القولية من أنساق ذهنية مختلفة تتوحّد في عشق الطبيعة .
و هو عشق لارومانسي يُهرّب قضية الذات و الموضوع إلى سديم الغاب بأعشاشه و جداوله و أزهاره ... و إنما هو عشق يروم تأليف المفردات المتشعبة و توليفها في انسجام الروح عبر بوّابة الكائنات الطبيعية المتناثرة في وعي الشاعرة قبل أن تتناثر في بيئة هذه الكائنات المتشيئة .
و لنبدأ من البداية ، نجد الشاعرة تستفتح كتابها الرائي بالحديث عن اليد الممدودة إلى الفجر تستجدي منه الحناء . و رب قارئ سيقف على المعنى و يجتني منه دلالةً أو اثنتيْنِ ، ثم يظلم الانزياح في تناسله الغريب ... إن اختيار الفجر كمصدر للحناء هو اختيار ماكر ، يطلب البركة و النور و الطهر و العطر ... و قبل هذا و ذا يطلب البداية . و ما أدراك ما البداية .
و الشاعرة على وعيٍ ذكي بشرط البداية . و كأنها تقول فيما تقول : أعطوني البداية كي أعجن تاريخي من جديد ، و أوزع الأدوار على جوارحي ، و لها أن تختار مقاعِدها بالشكل المناسب في غير وصايةٍ منّي عليها ، كي تقدّم أجمل ما فيها من إدهاش الحياة . و القرينة المثبتة لذلك أن السياق أردف الكلام بعبارة دالّة ، توظّف مقولة الباب و المفتاح ( أمعن في فتح الباب ) ... و هما مؤشران لسنيان يدلان سيميائيا على البداية . فكل فضاء نبدؤه بالباب ، و نبدأ مشروع الباب بالمفتاح . و الشاعرة هنا في لاشعورها ترسم خريطة الحناء داخل الاختلاف المتدرج انطلاقا من مقولة الفجر و انتهاء بمقولة الباب ، لتحقق انسجام اللحظة الممكنة في التجلّي . و النتيجةُ أن الشاعرة ترمي بنا في عوالم مفتوحة بارادتها عبر مدخل الحناء و الفجر ... فماذا نجد في هذه العوالم ؟ و ماذا نجد خلف الباب السيميائي ؟
نجد جوقةً من العاشقين تحفهم كائناتٌ طبيعية مختلفة : ( الأجنحة – الرمل – البحر – الغيمة – القطن – الظل – النورسة – الصباحات – القرنفلات – الشمس – الفاكهة – الفراشات – الزهر – النرجس – زهر الرمان – العصافير – السنابل ... ) و حيث تهيمن هذه الكائنات الطبيعية و مثيلاتها على مساحة النص ، فلا داعي لتتبعها تتبعا حصريا ، و نكتفي بالإشارة ، فهي أغنى من العبارة في سياقات متعددة .
ما معنى أن تكون الطبيعة حاضرة بشكل لافت و صريح و ماكر ؟ و هل هو حضور اعتباطي أم قصدي ؟ و هل التركيب المثقل بهذا الحضور تركيب يقفز خارج المعنى ليمارس على القارئ شرط التلقي الجمالي ؟ أم أنه تركيب يكتفي بذاته في اتجاه برناسي يعزف لتستمتع الجوارح فقط في تغييب كلّي للجمهور ؟ و هل القصيدة غائية ترمي بشررها على محيا الأفق الممكن أم هي ممكنة في ذاتها تصف تشظّيها في بكائية قريبة تدغدغ المسام السطحية من وعي القارئ ؟ و هل تستثمر الشاعرة بلاغة القول لتحيا بها أم تستثمرها لتبلّغنا رسائل الإمتاع العابرة ؟ ...
أسئلة كثيرة تتناسل ، و تنولد معها رغبة أكيدة في ممارسة التأويل خارج سلطان الذات المتكلمة ، لنتحول إلى قرّاء منتجين ، لا إلى آلة كسولة بتعبير أمبرتو إيكو ، تستهلك و تمرّ عابرة .
لا يسعنا التتبع الدقيق لانزياحات القصيدة ، و سنكتفي بقراءة مجموعة منها في أفق التأويل الممكن ، ممسكين بالمفردة داخل السياق و داخل الأنساق :
- أعدّ ضحكات الرّمل ... انزياح الاستحالة
- في ذاكرة القطن ... انزياح النقاء الماكر
- انزلق في حلمي الغجري ... انزياح الإدهاش
- أمدّ ظلّي ... انزياح الرفض
- أرتّب أسرَّةَ الاحتمال ... انزياح الترقّب و التحدّي
- عكازة الريح ... انزياح يرفض السكون
و مثل هذا و ذاك كثير و مختلف و متشعب يسير في اتجاه انسجام نصّي يوحّد الرؤيا داخل التعدد . و من هنا قرار الشاعرة أن ترسم العالم الخاص بها انطلاقا من مادّتين هما الإنسان و الطبيعة . و هما معاً مشروطان بسياقين ، سياق الجمال و سياق الجلال . كل ذلك في توجّه شعري يكاد يقطع مع تجربة الألم المنسوخة في ديوان الشاعرة الزجلي ، و كأنها تجنّد كائنات الجمال و الجلال لتقطع مع هذه التجربة الماضوية بكل ما فيها من تعب جسدي و روحي .
لستُ أقرأ الشاعرة كلّها في قصيدة واحدة ، و لست أقرأ القصيدة في جرة قلم مفردة ، و إنما رمتُ مناوشة النص في بعض إشراقاته افتتاحا لشهية الكتابة في مشروع شاعرة كبيرة في حجم الفاضلة وفاء أم حمزة .
-- نون حاء --
المتن الشعري :
حلم غجري
لحناء الفجر ،امد يدي،
أمعن في مفتاح الباب،
اتأمل جوقة العاشقين،
وأهش طيري بأغنية الأعراس.
بأصبع واحدة
أقص أجنحة التفاصيل،
أعد ضحكات الرمل،
أبحث عن فكرة،
عن بحر،
عن غيمة
تكتب عن موت المسافات،
وعن قصائد تسافر
في ذاكرة القطن.
أنا البعيدة
في قوافل الغجر التائهة،
بخطوات لا تلتقي
أفرغ رأسي،
أنزلق في حلمي الغجري،
أمد ظلي ،
تسحبني الدهشة
في رأس النورسة.
في الطريق اليّ
أحمل معي الاغنيات،
أحمل الصباحات،


قرنفلات الشمس،
تنضج الفاكهة
شبيهة بالفراشات،
يتدفق الزهر من نهر النرجس،
ينمو زهر الرمان
في عين الأبجدية.
حرة من خوفي،
أطلق عصافير لغتي،
أرتب أسرة الإحتمال،
نصوصي الخائفة،
همهمات المرايا،
ورسائل الحب .
بعيدا عن نزوة الغياب
اتحدث عن السنابل،
عن نجمة تقرأ كفي ،
عن غزالة تقضم عشب الفرح،
وعن الحب.
أيها الحب تمايل،
تحامل، تطاير،
أستعيد قصائدي من عكازة الريح ،
يرقص الندى في قلب الصبح،
تطير اليرقات والكلمات،
وانبت ألوانا في ربيع الروح.
وفاء أم حمزة ج 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...