الجمعة، 16 فبراير 2018

إطْلالَة ، في عالَم نورالدّين أمْغار
شَاعِرٌ ، قُدّتْ يَداهُ منْ عِشْقِ التّراب
...
منْ مَدِينَةِ الْحاجبْ ، يُرْسِلُ نورالدّين ، وَ فِي إصْرارٍ جميلٍ ، فِطْرَتَهُ الْمُبْدِعَة ، طُيوراً بِأجْنِحَةٍ تَقْتَرِضُها منْ قَوْسِ قُزَح ، تُحلّقُ بِها عالِياً في سَماواتِ الْإبْداعِ ، تَشْرَبُ منْ هذِه السّحابَة ، وتَنْهَلُ منْ تلك ... وَتَعومُ في بُحَيْراتِ الضّوْء قَبْلَ أنْ تَحُطّ الرّحالَ في قَلْبِ الشّاعِرِ وَ تُوَزّعَ علَيْنا رَفْرَفاتِها الْمُبَلّلَة بِعِشْقِ طلّ الصّباحاتِ الْمُبَكّرَة .

وَ تُطِلّ عَلَيْنا الْقَصِيدَةُ طائِراً يُحلّقُ في سَماواتِ الْوَطَنِ ، خارِجا منَ الدّمْعِ ، رافِضاً أنْ يَتَشَكّلَ ألَقُهُ بِحِبْرٍ غَيْرِ حِبْرِ الصّدْقِ الْمُنْفَلِتِ منْ أزْمِنَةِ التّخَشّبِ والْبَهْرَجَة الصّامِتَة صَمْتَ التّغَوّل ... منْ هُنا ، صاحَ الشّاعِرُ نورالدّين ، بِمِلْءِ فِيهِ أنّ الْقَضِيّةَ تَسْتَحِقّ أكْثَرَ منْ وَقْفَة ، وَ تَسْتَحِقّ أنْ تَبْكيَها الْعَيْنُ ...

والْحَدِيثُ هُنا سائِرٌ عَنِ الْوَطَن . لكِنّ السّؤالَ الّذي يَطْرَحُ ذاتَهُ هُوَ : لِمَ افْتَتحَ الشّاعِرُ زجَلِيّتَهُ بِالْبكاءِ عَلى الْحبِيبَة ؟ الْجوابُ وَ في الْحِينِ ، هُو أنّ الشّاعِرَ بِفِطْرَتِهِ الْأخّاذَة سارَ على دَرْبِ التّقْلِيدِ الشّعْرِيّ الْعَرَبي ، بانِياً مُقَدّمَتَهُ الْغَزَلِيّة كَمَطْلَعٍ يُخْلِصُ لِنَسْغِ الْقَصِيدَةِ الْأمّ ، وكأنّ الشّاعِرَ لا يُرِيدُ التّنكّرَ لِفُسَيْفِسَائِها الْجميل :
كتبت بدمع عياني
كتبت وحديت من المعاني
كتبت على حبيبي آلي نسآني

وَ كمْ هُوَ جمِيلٌ أيْضاً حُسْنُ التّخَلّصِ منَ الْمقَدّمة إلى الْغَرَضِ الشّعْرِيّ ، عَبْرَ جسْرِ الْحَبيبَة ... فَهِيَ الْمُتَخليّة ، ولمّا تَخَلّتْ عنْ حَبِيبِها بَقِيَ في حُشاشاتِها شَيءٌ منْ حتّى ، فَسَلّمَتْ حبِيبَها إلى الْوَطَن كَيْ عَلَيْهِ تَطْمئِن :
 حبيبي آلي نسآني
خلّا حرفي معلق بْ لوطاني

وَ لِمَ الْحَرْفُ بالذّات ؟ لأنّ الْيَراعَ الّذي كانَ يَسِيلُ في الْبكاءِ الْخاصّ ، سيَدْلِفُ إلى بابٍ أوسَعَ وأنْبَلَ وأجْدَر بِالتّعلّق ... منْ هُنا تأتِي الْكِتابَةُ عنِ الْوطَنِ خِياراً أوّليّاً يَفْرَحُ لَهُ الْحَرْفُ وَ يَهَشّ ويَبَشّ مَهْما كانَ حجْمُ الْجرح . لِهذا نَفْهَمُ تَمَوْقُفَ الْحُروفِ منْ فِعْلِ الْكِتابَة :
الليفْ ، واقفة مابغات ترجاني
والبا ، مجفنة على آمحاني
فينك يانون ، مضمر بالسكون

الْحرُوفُ لَيْسَتْ رافِضَة لِفِعْلِ الْعِناق ، بِقَدْرِ ماهِيَ مُشْتَعِلَة بِفِعْلِ الشّوقِ لِمُعانَقَة اللّقاءِ لِهذا الْوطَنِ في تَجَلّيّاتِهِ المُسْتَعْلِية على هَوامِشِ الذّات واهْتِماماتِها الْخاصّة ، وكأنّ الذّاتَ صَعِيدٌ وَ الْوطَنَ ماءٌ " يُرْفَعُ الْأوّلُ إذا حَضَرَ الثّانِي "

تُحْرِقُ الْكِتابَةُ أنامِلَ الشّاعِرِ رَماداً يَتجدّدُ عَنْقاءَ كُلّما أطَلّتْ على الضّوْءِ مَدِينَة منْ مُدُنِ الْجَنوبِ ، حُرْقَةً تتَحَوّلُ إلى أُوارٍ دافِئ يُرَحّبُ باسْتِكْمالِ الدّوائِر... ممّا يَسْتَدْعِي الْحرْفَ كيْ يَتَجَنّدَ لِمُعانَقَةِ " العيونْ والسّاقْية الْحمرا و طرْفايَة والدّاخْلَة و ... " أجْنِحَةٌ تَرْفَعُ الذّاتَ وتُحلّقُ بِها في رُبوعِ الْوطَنِ الْجميلِ في عَيْنِ الشّاعِرِ وفي عَيْنِ حُروفِه ... كيْ تَحُطّ بِهِ الرّحالُ في جَسَدِ الصّحْراءِ بِرِمالِها الْكاوِيَة كَيّ الْتّرْياقِ والشّفاء :
 هزني الريح أومالقى
حرفي فين آيطيح
طآح على الصحراء
ورمالها الكاوية بالنظرة

هذا هُوَ نورالدّين أمْغار ، كما عَرَفْتُهُ منْ خِلالِ شِعْرِهِ ، شاعِراً يَحْمِلُ على عاتِقِهِ غَيْرَةً نوْعِيّةً يُتَرْجِمُها حَرْفٌ زجَلِيّ واعٍ بتُخومِ الْفنّ ورِسالاتِ الْفَنّ . وَهُوَ يَرْكَبُ صَهْوَةَ الصّعْبِ ، يُذَلّـلُهُ وَيُطَوّعُهُ ، حتّى يُسْلِسَ لَهُ الْقِيادَ ، تُسْعِفُهُ في ذلِكَ حِكْمَتُهُ الْخاصّةُ بِهِ والّتي اسْتَقاها منْ أرْضٍ خِصْبَةٍ ومنْ يَدٍ أكْثَرَ خِصْبا .
...
انظر النصّ :

كتبت بدمع عياني
آكتبت وحديت من المعاني
آكتبت على حبيبي آلي نسآني
خلآا حرفي معلق بْ لوطاني
كتبت أوزدت خطاطت عاوتاني
الليفْ واقفة مابغات ترجاني
والباء مجفنة على آمحاني
فينك يانون مضمر بالسكون
أواش هكدا تكون
ضاير آوحارق من كانون
وكتبت على العيون
الساقية الحمراء
أوطرفاية زينت الفنون
آرسمت البسمة من ديك الكلمة
آداخلة على بلآادنا بالنعمة
هزني الريح أومالقى
حرفي فين آيطيح
طآح على الصحراء
ورمالها الكاوية بالنظرة
واش نعمل ياحصرة
كيف نزورها حالي يبرا
والحمدلله آلي تسالى
من بلآدي الظلم والحكرة
آعلآش ياحرفي ماتفرح أوتزيد فالهظرة
...
بقلم : نورالدين حنيف





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...