الجمعة، 16 فبراير 2018

قِرَاءَة في نسقِ " لهْوَايْشْ " للشّاعِر الزجال محمد علوش





        قِرَاءَة في نسقِ " لهْوَايْشْ " للشّاعِر الزّجّال محمد علوش 

...


عرَفتُ الْفاضِلَ " محمّد علوش " في سياقٍ واقِعي ، في محفَلٍ ثقافيّ بالقنيْطِرَة عام 2015 ، ثمّ توطّدتِ الْعلاقَة صامِتَةً في العالَمِ الْأزرق عبْرَ تفاعُلاتٍ لا تتوقّفُ بيني وبيْنَهُ ... هُوَ الآنَ منْ بيْنِ الْوُجوهِ الّتي أتمنّى أن ألْقاهَا مباشَرَة لأساجِلَها في شؤونِ الْفنّ وَ الْإنسان .

يكتُبُ الْفاضِلُ محمد شعراً كما لوْ أنّهُ يصْنَعُ أجْنِحَةً لِطائِرٍ مَهيضِ الْأجْنِحَة في زمَنٍ تَطيرُ الْبغْثَانُ عاجِزَة في أدنى السّماء ، وَ تحاوِلُ قَاصِرَةً أن تلْحقَ بالنّسورِ في قلْبِ السّديم . يُبْدِعُ الْفاضِلُ محمّد شعْرَه خارِج منطِقِ الْمُساوَمة على الضّوءِ الْباهِت ، لأنّ ما يخْرُج من صَدْره هُوَ لَعمْرِي الألَقُ الّذي لا يحتاجُ إلى ضوءٍ كيْ يشِعّ ...

سأقرأ لهُ بمَعِيّتكمُ زجَلِيّةً اختَارَتْني وألحّتْ عليّ بالتفاعُل ، فاسْتجَبْتُ وأنا واعٍ كلّ الْوعيِ أنّ الْعوْمَ في بوحِ صديقِنا مغامَرَة ، لأنه يتدثّرُ بالْبَسَاطَة الْمقَنّعَة بالْعُمقِ الْفكريّ الْماتِحِ ألْوانَهُ منْ رؤيَة خاصّة للذّات وللآخر وللْماحَوْل . وعنوانُ هذه الطّريفَة هو " هْوَايشْ الذّاتْ " .

العنوانُ عَتَبَة حامِلَة لاحتِمالاتٍ عامِرَة بالتّوتّر ، بينَ الْحلُمِ وَ الْواقِع ، عبْرَ مركّب اسْمِي إسْناديّ مفْعَم بالتحَوّلات ، يمْزِجُ بيْنَ مفْرَدة بنَتْها الثّقافَة الشّعْبِيّة بدلالاتٍ تُلْغِي الْعقْلَ وَ الْاِسْتِواء ، وَ تُتْبِثُ حالاتِ الْخَلَلِ وَ اللّااِسْتِواء ... وَ الْجمِيلُ في هذا الْإسْناد الْاسْمي أنّ " هْوايْشْ " تسْتنِدُ لِمرْجِعِيّة عربيّة صِرْفَة ، ذاكَ أنّ " الْهَوَشَ " هُوَ التّحَرّكُ وَ الْهَيْجُ ، وَ بالتّالِي فالذّاتُ في هذا الْمقامِ موْصُوفَة بالْحرَكة الْهائِجَة بِلا ضابِط تُؤطّرُها حالاتُ جَذْبَة نوْعِيّة تَرْتَفِعُ علَى الْعقْلِ وَ الْمنْطِقِ ، وَ تَرْسُمُ لِظاهِرِها وَ باطِنِها رَقْصاً هَيُولانِيّاً يرْفُضُ كلّ الْإيقاعَاتِ إلّا إيقَاعَ " لْحالْ " بالْمفْهومِ الشّعْبِيّ .

ما الّذِي جعَلَ الذّاتَ تتحَرّكُ على هذا النّمَط غيْرِ الْعادِي ، وَ الْموسُومِ بالْاِنْتِقالِ منْ حالاتِ الْوعْيِ إلى حالَاتِ اللّاوعْي ؟ ...

يُعْلِنُ الشّاعِر بدْءاً عن طبِيعَة الْعلاقَة بينَ الْحلُمِ وَ الْواقِع عبْرَ جِسْرْ الْخَيْبَة والصّدْمَة { شْحالْ منْ حلْمَة فِيّا تْقتْلاتْ } ... هذه الْعِبارَة وَحَدَةٌ لسْنِيّة غيْرُ بَرِيئَة بالمفْهوم الْفنّي لا الْأخْلاقِي ، لأنها جرّتْ خلْفَها تَراكُماً منَ الْأسْئِلَة الْواخِزَة وَ الْعامِرَة بالْمرارَة { شْحال من بكيه فِيّا صرّفتها ضحكات - شحال من غوثه فيّ خرجتها بارود السكات } و مِن ثَمّةَ فالْمَقُولُ الزّجليّ الْمنْطوقُ في هذا السّياق هُوَ الْاسْتِنكارُ لا الْاسْتِفهامُ في سَطْحِيّتِه ، وَ هُوَ أبْعَدُ منْ ذاكَ لأنّهُ يَرْسُمُ معالِمَ الذّاتِ الْمقْهورَة داخِلَ متاهَة تجْمَعُ بيْنَ شِقّيْنِ متناقِضَيْن  الحلم المسفوكُ و البكاء الضّاحِك  وَ  الصراخ الصّامت  ...  إنّها الْمُفارَقَة الْغرِيبَة الّتي يبْنِها تمَثّلٌ شاعِريّ لتناقُضاتِ الْماحوْل .

كيْفَ تتجلّى الذّاتُ في خِضمّ هذا الْماحول الّذي لا ينِي يباغِتُها بالْقسوة ؟ فِي انْطباعٍ تلقائي سيذْهَبُ الْقارئ إلى اعْتِناقِ بُكائِيّةٍ سلْبِيّة وَ هُوَ يخْتَزِلُ الْمُعاناةِ في التّوْصِيفِ الْمُشَخّصِ وَ الْمُنْزَلِقِ في ثَقافَة النّحيبِ الْخاوِي ... يُكَسّرُ الشّاعِرُ هذا النّحْوَ الْتقْلِيديّ لِيؤسّسَ بوْحَهُ على أرْضِيّة رؤيَةٍ فنّيّة تمْتَحُ مرْجِعِتَها منْ وَعْيٍ جَمالِيّة بحِبّ وَ لا تَكرَه ، تبْنِي وَ لا تهْدم ، تُبَشّرُ وَ لا تُنفّر ، تَحْتَضِنُ وَ لا تُقْصِي ... تَصْنَعُ الذّاتُ عالَماً منَ الْقِيم الجريئَة ، نُلَخِّصُها في قُدرَتِه على تَحْويلِ النّقِيضِ إلى فكرَة ، وَ اسْتِبْدالِ السّلْبِ بِالْإيجابِ في فلسَفة لا في شِعار ... هكذا يُحوّلُ الشّاعِرُ مفهومَ " لهْوَايشْ " منْ حالةِ الشّطْحِ الْمُسْتكِينِ إلى رَقْصٍ على حِبالِ الْفعْلِ الْواعِدِ بالضّوء ، فَتخْرُج الْكلِماتُ نَسْماتٍ تنْضَحُ بالْعِشْقِ لِلْإنْسانِ وَ تُمَجّدُ الْمَحبّة { فْ هوايش الذات ، خْتار العقل  تكونو نْتومَا ، و ما نكونش أنا  ، حيت إيلا عشتو نْتومَا ، عشت أنا } قمّةُ الانْدِماجِ الْكونِيّ الْيَعْبُرُ الذّوات بِمجاذِيفَ منْ سَدِيمٍ حانٍ وَ رَقِيقٍ نحْتاجُهُ في زَمَنٍ يَعُجّ بِ" الْأنا " الضّاغِظَة ...

تتحوّلُ " لهْوايشْ " منْ مُجرّد حالَة فرْدِيّة يشْطَحُ فِيها الْجسَدُ علَى إيقاعِ الْبَخورِ إلى حالَة جمْعِيّة يُؤسّسُ لَها الشّاعِرُ مشْروعَ رَقْصَةٍ كوْنِيّة تُعانِقُ الْقِيمَة النّبيلَة الْمُحِبّة الْخيْرَ للْجمِيع ، وَ تَمّحِي فِيها الذّاتُ الْمُفْرَدةُ لتَنْكَتِبَ الذّاتُ الْجماعَة ...
...
...
أنظر النّص :
" هوايش الذات "
شحال من حلمه
فيّ تقتلات
شحال من بكيه
فيّ صرفتها ضحكات
شحال من غوثه
فيّ خرجتها
بارود السكات
تطحن القلب
من حر الطلقات
تشتت الحروف
الخارجه مني نسمات
ما بين نْتومَا و أنا
ف هوايش الذات
ختار العقل
تكونو نْتومَا
و ما نكونش أنا
حيت إيلا عشتو نْتومَا
عشت أنا 
... 
بقلم : نورالدين حنيف





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...