الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

تُفّاحٌ بصيغَةِ الْمؤَنّث


تُفّاحٌ بصيغَةِ الْمؤَنّث
...

قراءة في لوحة للفنانة التشكيلية المغربية
" أُمامة سَحَر "
بقلم : نورالدين حنيف
...
لا أريدُ لمقارَبتي الفنيّة في تشكيل النقيّة " أمامة " أن تكونَ تسطيراً لغوياً عند انتهاء الفنّانَة منْ لوحتِها ... وأريدُ لمقارَبتي أنْ تحْظى بالمصاحَبَة لفعْلٍ فنيّ ينسابُ في كفّ سيدةِ الْألوان ، تدرّجاً في الاكتمال ، وتدرّجا في الانبناء ، وفي الانْوجاد ...
هذه اللوحةُ بالذّات ، ورغمَ عدم اكتمالِ نسَقِها التشكيلي ، استنْفَرَتْ يراعِي واستفزّتْهُ وخاطَبَتْ فيهِ بِدائِيتَهُ ، ألّا ينتظر ... وأنْ يَغوصَ ما شاءَ لهُ الْغَوص ...
في الْبدءِ كانتِ الْأصباغُ ، وكانَ الْقمّاشُ ... وكانَ الصّمتُ سيّد الْموقف . وكانَ التّفاحُ أيقونَة ،  كسّرت هذا الصّمتَ ، وأنزلَتِ التّاريخَ من سُموقِ الْهيُولى ، إلى حضيضِ الوجود ... كانَ التّفاحُ نغمات ، فنزلَ في عجِينِ التّراب لعْنات ... كانَ حياة ، وأصبح شبيها بشيءٍ اسمُهُ الحياة ... كانَ سدِيما ، ثمّ اسْتحالَ أديما ...
هذه قصّةُ آدمَ وحوّاء في دينامية الْقمّاشِ و تلاوينِ الْفنّانَة " أمامة " بصِيغَة " الْأنثى " عندما ترْكَبُ صَهْوةَ التّشْكِيلِ الْخارِجِ من دوائِرِ الْخِطابِ الْحسّي الْمباشِر الْمسطّح ، إلى سماء " ميتالُغَة الْألوان " في انْزياحاتِها الرّقِيقَة ، الْعاجِنَة مادّةَ الْعُذوبَة بِماءِ الرّؤيا ...
تمْتَلِكُ الْفنّانَةُ " أمامة " رؤيا خاصّة للوجود ، نوعيّة في غيرِ نمطيّة ، متعَدّدة في غيرِ تكْرار ... تَمْتَحَ نَسْغَها الْجِميل والْجليل من عُمْقِ الْبساطَة . وعنْدما نتحدّثُ عن الْبساطَة فإننا لا نرومُ ابْتِذالا ، ولا في عمْقِ التشْكِيلِ اسْتسهالا ... الْبساطَةُ هنا عُنوان لمشروعٍ فنّيّ يخْتَرِمُ سَذاجَة النظْرَة المألوفَة للأشياء ، وتتعامل مع الْأشياءِ من زاويةِ البَداهَة الْحامِلَة للسّؤال ، والمفْعَمَة بالضّوء ، والمكتنزة بالْمعنى ...
فَهي عنْدما ترسُمُ " التّفاحَة " لا تُرِيد أنْ تُضِيفَ إلى سوقِ الْفواكِهِ تُفّاحاً آخَرَ ... إنّها تُضيءُ شَكْلَ التّفاحَة بعْدَما بَهُتَ في أيْدينا ... إنّها تُمِسِكُ بالْأيقونَة وتحاوِرُها في تارِيخِها وتارِيخنا ، لِتُشْعِلَ كلّ إمْكانِياتِ الْجمالِ في هذه الْثمرَة الْمفْرَدَة ، الْخارِجَة من سؤالِ الْوجود الْبَدْئي ، في رِحْلَةِ الْإنسانِ منْ هناكَ إلى هنا ...
لاحِظوا معي ، كيفَ ضمّتِ اللوحَةُ سؤالَ " الرّجل " و سؤالَ " الْمرأة " ولا أقولُ : ضمّتِ الرجل والْمرأة ... فشتّانَ بينَ الْمسَافتيْنِ ... الْأولى تقليدية تُذكّرُنا باللوحة الشعبِية التي كانت تملأ أسواقنا ، وفيها كان آدم وحواء والشجرة والثّعبان ... والثّانية ، فيها حسّ الفنّانَة " أمامة " وتصوّرها ، ورؤياها ، وعالمها الْمكتظّ بالأسئلة الْحارِقَة والْمارِقَة من شرْنقاتِ الْمعنى إلى فُسحاتِ اللّامعنى ...
منْ هُنا ، تكْسِيرُ سيماءِ الرّتابَة في فهْمِ علاقَة الذّات بالنّوع ... في مواجَهَة مباشِرَة ، تتخذُ فيها الْوجوهُ موقِفَ الْحياد ، حتّى لا قِبلَ للقارئ بالْحكمِ على الْحوارِ : هل هوَ تجلّ للمسافة أم ردمٌ للمسافة ؟ وهل هوَ مكاشَفَة أم مناظرة ؟ وهل وهل وهل ؟
يُبيحُ لنا الْقمّاشُ عناصِرَ ضوء ولا يبيحُ لنا معانيَ الضوء ، فهو لوحة تتشكّلُ من طبيعتينِ : إنسانية { الرجل والمرأة } و مشيّأة { التّفاح } ... في قراءة عاجلَة ... وفي العمقِ ، تهدينا اللوحةُ طبيعةً واحِدة ، هي الْإنسانُ في وجودهِ الْباحثِ دائما عن الْمعنى ، بمعيّة ، برفقَة ، في غيرِ عزلَة وفي غيرِ أنا ضاغِطة ...
طوبى لنا بفنّانَة شاعرة في حجم " أمامة " ... وهي تدعونا إلى الاحتفالِ بمهرجان الألْوان ، حيثُ الْأحمَرُ الْمعجونُ باللّذة سيّدٌ ... وحيثُ مشْتقّاتُهُ تنطِقُ بالتّحولاتِ الْذكيّة في أقانِيمِ جَسَديْنِ مفْتوحَيْنِ على بقيّةِ الْألوان ، على أرضِيّةٍ لا أقولُ إنّها برْتقاليةُ الظّاهر ، وأقولُ إنّها برتُقاليةُ الْباطِنِ ... وما بصَرُنا للّونِ إلا خدعَة لذيذة تجرّنا إلى كمائنِ الْقُمّاشِ وهو يُحوّلُ الْبداهَاتِ إلى أسئِلَة ... والْأسئلَة إلى تُفّاح ...و التّفاح إلى تاريخ ...
...
نون حاء



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي

  من السؤال إلى التسليم في ديوان ( اخْيُوطْ الْڭمْرَة ) للزجال المبدع عبدالحكيم خيي -         تمهيد : في سيمياء الوخز الاجتماعي يوظف...